فيينا- طهران -الزمان
بلغت مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني مرحلة فاصلة، مع تأكيد المعنيين أنهم باتوا قريبين من تفاهم يعيد تفعيل اتفاق العام 2015، على رغم أن احتمالات تعثر المسار الدبلوماسي تبقى قائمة.
وبدأت قبل أشهر المباحثات بين إيران والقوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق (فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا)، لإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحاديا في 2018.
وتهدف المباحثات التي تشارك فيها واشنطن بشكل غير مباشر، الى إعادة الأميركيين الى الاتفاق خصوصا عبر رفع العقوبات التي أعادوا فرضها على طهران بعد انسحابهم، في مقابل عودة الأخيرة لاحترام كامل التزاماتها بموجب اتفاق 2015، والتي تراجعت عن العديد منها في أعقاب الانسحاب الأميركي.
ويرى الباحث في مجموعة «أوراسيا» هنري روم أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية باتت على «الموجة نفسها» مع الصين وروسيا بشكل «لم يسجّل من قبل».
ويوضح أن المفاوضين يعملون على حل ما تبقى من تباينات، ويدفعون «بضغط مشترك على إيران لانجاز المباحثات». وزاد تصريحات الأطراف في الأيام الماضية، من منسوب التفاؤل.
وبعد تأكيد مصادر أوروبية أن المباحثات تمضي قدما، أفادت الولايات المتحدة الخميس عبر متحدث باسم خارجيتها، عن إحراز «تقدم كبير»، وأن الاتفاق ممكن «في غضون أيام» إذا أظهرت طهران «جدية» في هذا الشأن.
كما أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان امكان التوصل الى اتفاق خلال «أيام» أو الذهاب نحو «أزمة».
وأتاح اتفاق 2015 رفع عقوبات كانت مفروضة على طهران، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. الا أن مفاعيله باتت في حكم اللاغية مذ قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا منه عام 2018، معيدا فرض عقوبات قاسية على طهران. وردت الأخيرة ببدء التراجع تدريجيا عن العديد من التزاماتها بموجب الاتفاق.
وتشدد طهران على أولوية رفع عقوبات حقبة ما بعد الانسحاب، والتحقق من ذلك عمليا، وضمان عدم تكرار خروج واشنطن. في المقابل، تركز الولايات المتحدة والأطراف الأوروبيون على عودة إيران لاحترام كامل التزاماتها في الاتفاق.
وتركز المباحثات على مجالات أساسية هي العقوبات، والخطوات النووية الواجب على إيران اتخاذها، وتنسيق إجراءات الطرفين، إضافة للتحقق والضمانات.
وفي حين قد تكون الخطوات الإيرانية لناحية العودة لاحترام بنود الاتفاق أكثر وضوحا، يبدو من الصعوبة بمكان تحديد نطاق العقوبات التي يجب رفعها، أو حتى الضمانات الممكن تقديمها.
وتؤكد طهران أنها تريد التحقق من امكان عودتها لمواصلة نشاطها ضمن الاقتصاد العالمي، بما يتيح للشركات الاستثمار فيها والتعاون مع مصارفها، من دون أن تواجه خطر عقوبات أميركية.
ويقول مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية علي واعظ إنه «في ما يتعلق بالعقوبات، أعتقد أن المفاوضين الغربيين يتمتعون بهامش مناورة».
الا أن الضمانات تبقى أكثر تعقيدا، وفق ما يؤكد واعظ لفرانس برس.
وفي حين أن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن أبدى عزمه على إعادة بلاده الى الاتفاق مقابل عودة إيران لاحترام التزاماتها، تخشى طهران أن تعمد إدارة أميركية مقبلة، خصوصا اذا كانت من الحزب الجمهوري الذي انتمى إليه ترامب، للانسحاب مجددا من الاتفاق.
وأكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان رغبة بلاده في نيل «إعلان سياسي» من الكونغرس الأميركي تتعهد فيه الولايات المتحدة العودة الى الاتفاق النووي وتطبيقه.
وقال لصحيفة «فايننشال تايمز» الأربعاء «لا يمكن للرأي العام في إيران قبول تصريح رئيس دولة كضمانة، لا سيما من رئيس الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق النووي».
وكشف أنه طلب من المفاوضين الايرانيين أن يقترحوا على الأطراف الغربية «أن تعمد برلماناتها أو رؤساؤها على الاقل بما يشمل الكونغرس الأميركي إلى إعلان التزامها حيال الاتفاق والعودة الى تطبيقه، على شكل إعلان سياسي».
وشدد على قلق إيران «تجاه الضمانات بشأن عدم انسحاب أميركا من الاتفاق (…) نواجه مشاكل في هذه الفترة لأن الجانب الآخر يفتقر إلى مبادرة جادة».
- تصعيد أم خرق؟ -
ولطالما شددت طهران على أن التفاهم يتطلب «قرارا سياسيا» من الأطراف الغربيين، خصوصا الولايات المتحدة.
وأكد كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري عبر تويتر الأربعاء، اقتراب الأطراف من الاتفاق «أكثر من أي وقت مضى»، لكن «ما لم يتم الاتفاق على كل شيء، لن يتم الاتفاق على أي شيء».
واعتبر أن الأمر يعود الآن إلى «شركاء المفاوضات» لاتخاذ «قرارات جدية».
ويرى واعظ سيناريوهين لمسار الأمور، موضحا «خلال الأيام المقبلة، ما لم يسحب الإيرانيون بعض طلباتهم، من الممكن أن توصد الولايات المتحدة والدول الأوروبية» باب المفاوضات.
ويشير الى أن ذلك قد يتبعه رفع البرنامج النووي الى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية واحتمال اتخاذ قرار بحظر إيران «ما سيشكّل خطوة أولى في دائرة تصعيد».
أما الاحتمال الثاني، فهو «تحقيق خرق في الأيام المقبلة، ما دون اتفاق نهائي» مع تبقي «تفاصيل تقنية»، ما قد يعني انجاز المفاوضات «في أواخر شباط/فبراير أو أوائل آذار/مارس».
من جهته، رأى روم أن تحديد مطلع آذار/مارس لانجاز المباحثات هي مهلة «يمكن تمديدها، خصوصا اذا بقيت إيران منفتحة على الحوار، مع الأخذ في الاعتبار تردد الولايات المتحدة في اعتماد استراتيجية مغايرة» حاليا.
ويرى واعظ إنه في ظل الأزمات المتلاحقة في أوكرانيا والتجارب الصاروخية الكورية الشمالية والتنافس مع الصين، فإن «آخر ما تحتاج إليه إدارة بايدن، هو أزمة كبرى في الشرق الأوسط».
2024-09-23 15:28:55