Breaking News >> News >> Azzaman


هل يمكن أن تكون الدولة الإسلامية حضارية حديثة؟ – محمد عبد الجبار الشبوط


Link [2022-02-12 22:52:36]



بمناسبة ذكرى الثورة في إيران الخميني

هل يمكن أن تكون الدولة الإسلامية حضارية حديثة؟ – محمد عبد الجبار الشبوط

كان اندلاع ونجاح الثورة الاسلامية في ايران حدثا مفصليا في التاريخ، يُصنّف ضمن سلسلة الثورات التاريخية الكبرى جنبا الى جنب مع الثورة الانگليزية والاميركية والفرنسية والروسية والصينية. وقد احدثت الثورة تحولا نوعيا في تاريخ ايران والمنطقة ومازالت تفاعلاتها مستمرة الى اليوم.

وعادة ما يتناول الكتاب هذا الحدث من جوانب مختلفة متعددة، وانا اعتزم الحديث عنه من زاوية اطروحة الدولة الحضارية الحديثة، في سياق محاولة الاجابة عن السؤال الذي جعلته عنوان هذه المقالة وهي: هل يمكن ان تكون الدولة الاسلامية دولة حضارية حديثة؟

يعلن الدستور الايراني الذي صادق عليه الشعب الايراني في 29-30 اذار من عام 1979 في مادته الاولى ان نظام الحكم في ايران “جمهوري اسلامي”، وتم تثبيت هذه الهوية في اسم الدولة التي وصفت بانها “جمهورية ايران الاسلامية”. وهي نفس الصيغة التي اعتمدت في اسم جمهورية  موريتانيا الاسلامية. وقد ورد في المادة الاولى من النظام الاساسي  (الدستور) للملكة العربية السعودية الذي اصدره الملك فهد ان “المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.”

الدولة الاسلامية هي الدولة التي تتخذ من الاسلام قاعدة فكرية لتشريعاتها وقوانينها وهوية ايديولوجية لها. وهذا يعني ان هذه الدولة تقوم على اساس الدين.

وسؤالنا هو عن امكانية ان تكون دولة تتخذ الدين قاعدة لها “حضارية وحديثة”. والدولة الحضارية الحديثة ليست وصفا عقائديا او ايديولوجيا للدولة، وانما نعني بها الدولة التي تشكل اطار منتجا بافضل وجه للمركب الحضاري للمجتمع المؤلف من خمسة عناصر هي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل في اطار منظومة قيم عليا تضمن تحقيق افضل اشتغال وتفاعل بين هذه العناصر، بما يحقق السعادة للانسان، باعتبارها الغاية العليا للدولة. وشرط الادنى للسعادة هو تمتع الانسان بحقوقه السياسية والمدنية على اساس الحرية والعدالة والكرامة. وتقوم الدولة الحضارية الحديثة على اساس المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث. وتكون الدولة حديثة اذا عاشت روح عصرها وتفاعلت معه وواكبت تطوره ووظفت نتاجاته في حياتها، مع التركيز على نسبية الحداثة وتغيرها واختصاص كل عصر بحداثته. والدولة الحضارية الحديثة ليست هي الدولة الاسلامية، كما ان الدولة الاسلامية ليست هي الدولة الحضارية، وليست احداهما بديلا عن الاخرى. ولا تضاد او وتناقض بينهما.

لكن يمكن للدولة الاسلامية ان تكون حضارية حديثة او لا تكون، كما يمكن للدولة الحضارية الحديثة ان تكون اسلامية او لا تكون. والامر يتوقف على منظومة القيم العليا التي تتبناها الدولة لاشتغال العناصر الخمسة في المركب الحضاري بما في ذلك علاقة الدولة بعصرها.

ظاهرة بشرية

فيما يتعلق بالدولة الاسلامية، وهي ظاهرة بشرية يقيمها الانسان، فان القران الكريم يحتوى على منظومة مفصلة من القيم العليا التي  يفترض ان تتبناها الدولة في تشريعاتها وقوانينها وتصرفاتها واسلوب تنشئتها لاطفالها. وتتمحور هذه المنظومة حول التوحيد والاستخلاف: توحيد الله بالعبادة واستخلاف الانسان في الارض، ومن ثم القيم المتفرعة من هذين الاساسين، كالعدل والحرية والمساواة والكرامة. وتمثل هذه المفردات “عناوين” هذه القيم، وهي عناوين مذكورة في القران باسمائها، وتمتاز بالثبات كثبات النص القراني. وهو نص لا يمكن ان تطاله يد الانسان بالتعديل او التغيير او التحريف. وهذا ما نفهمه من قوله تعالى:”إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”. وتغطي منظومة القيم القرانية كل عناصر المركب الحضاري، بما يكفل ويضمن اشتغال هذه العناصر بشكل منتج للحضارة والسعادة وبناء مجتمع جيد التنظيم والتكافل والتعاون و اقامة دولة صالحة عادلة اذا تولى ادارة هذه الدولة وقيادتها اشخاص صالحون مؤمنون بالقيم القرانية. وبامكان الباحث ان يتقصى كل القيم الحضارية العليا المبثوثة في ثنايا القران بشرط تمكنه من فهم القران فهما حضاريًا. فاذا ما اخذت الدولة الاسلامية بهذه المنظومة واحسنت تطبيقها فانها ستكون دولة حضارية، اي دولة تجسد منظومة القيم الحضارية كما ذكرها القران.

واذا كانت عناوين القيم الحضارية ثابتة بنص القران، فان مضامين هذه القيم (او العناوين) ومصاديقها وطرق تحقيقها واليات تنفيذها واحكامها فتعود الى الدولة نفسها فهي متغيرة ومتنوعة بحسب المستوى الحضاري للدولة والمجتمع، وبحسب قابلية المجتمع على الابداع والتطور. حالها في ذلك حال العناوين الاخلاقية، الثابتة من حيث العنوان والمفهوم والمتغيرة من حيث التنفيذ و المصداق.

الدولة ظاهرة بشرية، كما قلت،  حتى وان كانت اسلامية. فاذا كان التشريع الهي المصدر سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة، فان التقنين والتفسير والتطبيق مسألة بشرية خاضعة لاجتهاد الانسان وظروف التطبيق وروح العصر، ومشمولة باحتمال وقوع الخطأ البشري في الفهم والتطبيق. وهذا ما فهمه المسلمون الاوائل على الاقل منذ اللحظة الاولى لوفاة الرسول (ص)، حيث باشروا بادارة دولة الرسول بما ادى اليه اجتهادهم في فهم النصوص وما وصل اليهم من هذه النصوص او ما بقي منها في ذاكرتهم. وهذا ما حصل، على سبيل المثال، في عام الرمادة في خلافة عمر بن الخطاب حين وقعت بالمدينة وما حولها من القرى مجاعة شديدة، وكان ذلك في 18هـ بعد عودة الناس من الحج، فحبس المطر من السماء وأجدبت الأرض، وهلكت الماشية، واستمرت هذه المجاعة تسعة أشهر، حتى صارت الأرض سوداء فشبهت بالرماد. وقد قام عمر بوقف حدِّ السَّرقة في هذا العام،  وروي عنه انه قال: “لا قطع في عام السَّنة”، اي الجوع. كما أوقف إِلزام النَّاس بالزَّكاة.

الخلافة الراشدة

لكن في الجانب الاخر نجد ان منظومة القيم القرانية سارت في طريق التحلل والتفكك بعد ان تحولت الخلافة الاسلامية الراشدة الى ملك عضوض على يد معاوية يتوارثه الابناء عن الاباء ويتحارب عليه ابناء العمومة والأنسباء الامر الذي جر المجتمع الاسلامي عامة والعراق خاصة الى سلسلة من الحروب الاهلية والنزاعات الداخلية والتمزق المجتمعي الى ان سقط العراق تحت الاحتلال المغولي عام 1258 وكان ذلك من نتائج الاختلالات الحادة التي حصلت للمركب الحضاري للمجتمع الاسلامي العراقي.  وهذا يعني ان قدرة الدولة الاسلامية على ان تكون دولة حضارية حديثة تعتمد ليس فقط على البعد النظري لمنظومة القيم الحضارية القرانية وانما على قدرة الحكام والمحكومين على تجسيد هذه القيم في الدولة والمجتمع.

 وفي حال عجز هؤلاء عن ذلك فان الدولة الاسلامية ستتحول الى دولة متخلفة غير حضارية وغير حديثة كما حصل للدول السلطانية التي قامت باسم الاسلام في العالم الاسلامي الذي تمزقت وحدته بعد ضعف الدولة العباسية وضمورها. وعليه، فان العبرة ليست في ان تتخذ الدولةُ الاسلامَ قاعدة لتشريعاتها وقوانينها، وانما في قدرة الدولة، حكاما ومحكومين، على تفعيل البعد الحضاري الحداثوي لهذه القاعدة الاسلامية.  يظن بعض الكتاب (مثل وائل حلاق في كتابه “الدولة المستحيلة”) صعوبة او استحالة التوفيق بين الدولة الاسلامية وبين الحداثة. ويعود هذا الظن الى جملة عوامل منها قياس الدولة الحديثة على تجارب الدول الاسلامية السلطانية التي نشأت بعد فترة الخلفاء الراشدين، وهي تجارب لا تجسد منظومة القيم العليا التي تقوم على اساسها الدولة الاسلامية؛  او عدم التمييز بين المحاور الثلاثة  في الفكر القراني وهي: العقيدة والاحكام والقيم، ووضع كل محور من هذه المحاور في موضعه الصحيح من هيكل الدولة.  فالعقيدة شأن شخصي فردي لا علاقة له بالدولة، والاحكام مساحة متغيرة بحسب الزمان والمكان ومدى علاقتها بتحقيق القيم في اطار الزمان والمكان المعينين.  وتبقى منظومة القيم وهي المعنية ببناء الدولة الاسلامية على اسس حضارية. والبحث الدقيق يقول بامكانية تبيئة قيم الدولة الحديثة ضمن منظومة القيم الحضارية القرانية حيث لا يوجد تضاد او تناقض مفهومي او منطقي بين الطرفين. والحديث هنا عن القيم وليس عن الاحكام باعتبار ان الاحكام خاضعة للاجتهاد، إن لم يكن على مستوى النص فعلى التطبيق، على الاقل.



Most Read

2024-09-24 01:30:43