فاتح عبدالسلام
كأنَّ موسكو أبلغت، عبر الايحاء أو التصريح، واشنطن والزعماء الذين وفدوا اليها، بأنَّ لديها قرارها الخاص بأوكرانيا، غزواً أو أية صيغة أخرى، وانه لا تنوي الرجوع عنه، وإلا ما معنى هذا الإنذار لدى حلف الأطلسي والعواصم الغربية، مع الطلب من الأمريكيين والبريطانيين والرعايا الاخرين لدول غربية بمغادرة أوكرانيا فوراً.
الرئيس الروسي بوتين يبدو انه اتخذ القرار، ويتفاوض مع العالم على سياقات تنفيذه، والعالم الغربي بات يتحسب لما بعد أوكرانيا أو بهذه الصورة وضعتهم موسكو لكي تبدو اوكرانيا كتحصيل حاصل في الحسابات الروسية.
هل يسترجع بوتين درسا عمره اثنان وثلاثون عاما من العالم الثالث، حين غزا الرئيس الأسبق صدام حسين الكويت، مع فارق أساسي بحجوم الدول، وقدرتها على التصدي للعقوبات المضادة. وفي ذلك الزمن صدرت العقوبات من مجلس الامن الدولي وأخرى أمريكية أيضا، واليوم، يبدو المشهد الدولي مختلفاً، وان العقوبات ستكون أمريكية وأوربية، ولن تشارك فيها دول كبيرة كثيرة من جيران روسيا، فضلا عن انّ روسيا عضو في مجلس الامن الدولي الذي يفترض انه يمسك بصمامات الحرب والسلام في العالم، وانَّ الخلل في معادلة مهمات مجلس الأمن يعني الحرب العالمية الثالثة لا محالة، لنقل ذلك من الناحية الافتراضية.
يبدو انَّ التقاسمات الدولية في النفوذ بين الكبار مع مطلع القرن الحادي والعشرين ستمر بمضائق الحروب أيضا قبل أن تستقر على شكل جديد، حتى لو كانت حروبا مُقننة للكبار، وليست شاملة. كما انَّ العالم الغربي الغاضب الساعة قد يجد في التصرف الروسي فرصا ثمينة لإعادة الانتشار العسكري في أماكن كثيرة من العالم بما فيها دول مجاورة للروس، ومنها بولندا الحليف لأمريكا، والتي قد تقبل موازنة كفة الغزو باستقبال المزيد من القوات الامريكية أو الأطلسية. وكذلك دول أخرى أوربية شرقية لم تكن ذات يوم تحت حكم الاتحاد السوفييتي.
روسيا تعرف انَّ أنبوب الغاز نحو ألمانيا، المُهدد بالإغلاق، هو خراب عليها وعلى خصومها. في الجانب الآخر، ربما ليس بيد الآخرين سوى جعل كلفة الحرب وبالاً ثقيلاً على الروس من جميع النواحي.
الأوراق كلها ستختلط، في حال حدث الغزو الروسي، ولا ضمانات بعدم توسع الحرب. مَن يعطي الضمانات هنا، الذي يشن الحرب أم سواه؟
أما اذا لم تقع الحرب فتكون روسيا قد شنتها بطريقة أخرى.
رئيس التحرير -الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-24 01:35:30