Breaking News >> News >> Azzaman


أميّة المتعلمين – منهل الهاشمي


Link [2022-02-09 20:39:35]



أميّة المتعلمين – منهل الهاشمي

ما زلت الى الآن وقد غدوت كهلاً واشتعل رأسي شيبا اذكر حينما كنت تلميذا في الابتدائية في درس الإملاء كنت قد كتبت فعل مضارع من الأفعال الخمسة مجزوم بحذف النون وهو (يكتبوا) بهذا الشكل (يكتبو) هكذا من دون الألف, فكان ان عاتبني معلمي الفاضل رحمه الله لخطأي الشنيع هذا !!. فقد كنت من المتفوقين الأوائل على المدرسة الابتدائية. وعلى اثر هذا الخطأ الوحيد في الاملاء نلت درجة 9 من 10.

  كان درسا قاسيا لي. حزنت وقتها كثيرا كوني لم أنل درجة كاملة كما هو المعهود في الدروس الأخرى. ومنذ ذلك اليوم آليت على نفسي ان اتقن الاملاء واجيده تماما, وأن اجيد كذلك لغتي العربية قدر المستطاع كونها لغتي ولغة قومي ويكفيها عظمة وقداسة انها لغة القرآن الكريم ولغة اهل الجنة.

   ومرت السنون الطوال سراعا كما البرق. وبعد نيلي شهادة الماجستير وعملي تدريسيا في الكلية وجدت العجب العجاب من الأخطاء الكارثية والمهولة لبعض طلبتي ومن الدراستين الصباحي والمسائي ومن مختلف المراحل !. كان البعض منهم يكتب مثلا ضميرَي الغائب المفرد المنفصل (هو و هي) كما هو شائع بلغة (الفيس) أي هكذا (هوة).. و(هية). و(انه) هكذا (انهو) !!.  ومفردة شكراً هكذا (شكرن) أي انه يكتب الضمة واواً والتنوين نوناً !!. الامر الذي دعاني للتساؤل في سري : ترى لو قيّض وشاهدها معلمي الفاضل ذاك فماذا تراه سيقول… الا يطلب من فوره العودة لقبره ؟!!. وكنت ـ وما زلت ـ في محاضراتي احث طلبتي على اتقان الاملاء قبل اتقان المادة المنهجية العلمية خاصة وأنا ادرّس مادة السيناريو الذي يتطلب اتقان اللغة والوصف والتعبير وأقول لهم بأن من المخجل والمعيب ان يتخرج الطالب وهو لا يعرف كتابة ضمير منفصل !!.

   ورغم هذا فأني التمس لهم بعض العذر لا كله لأنهم من جيل التسعينيات وبداية الألفين أي جيل الحصار الجائر السابق المفروض على شعبنا المظلوم المبتلى في سنوات القحط والحرمان. حيث فتح عينيه مبكرا على معلمه او مدرسه او حتى مديره وهو يدور بعربة (لبلبي) او ماكنة (حب و شامية) تحت ذل الحاجة وقسوتها. فكيف نأمل من هذا المعلم وهو المربي الفاضل ان يؤدي دوره كاملا .. وكيف نأمل بعدها من الطالب ان يكنّ له الاحترام والتبجيل الذي يليق به وهو الذي قال فيه الشاعر احمد شوقي (كاد المعلم ان يكون رسولا) وهو يراه بهذا الوضع المأساوي المزري الذي يذيب الحجر ؟!!.

   وها نحن اليوم نحصد زرع الامس على الصعيد العلمي وسواه على مختلف الصعُد. واذا كان من السهل بناء البنى فما اصعب وما اشق بناء الانسان !. وإن كان ذلك ممكنا فمتى سيكون… بعد جيل… جيلين… خمسة ؟!. والطامة الكبرى ان من بين هذا الجيل واللاحق من حملة الشهادات الجامعية وبسبب الظروف المعلومة للجميع من سيكون مستقبلا معلما ليخرج بدوره أجيالٌ واجيال. ومنهم من قد يكمل دراساته العليا ليخرّج هو الاخر اجيالا اكاديميين. ومنهم من قد يتبوأ منصبا قياديا او مسؤولا في الدولة ولك ان تتخيل الأجيال اللاحقة على المستوى اللغوي ؟!.

   انها مأساة جيل بأكمله  وهي باختصار ما تسمى امية المتعلمين وهي تفرق عن امية الجهلة فقط في ان البعض منهم من يتخرج وهو يعرف فقط القراءة والحروف الهجائية الا انه قد يعجز عن كتابة جملة بسيطة واحدة دونما أخطاء لغوية او نحوية او املائية. هذا قدر تعلق الامر بدراستهم المنهجية اما ان تأمل من بعضهم شيء اسمه (ثقافة عامة) فستجد انها لا تعدو سوى نكتة سمجة اذا ما ذكرناها !!.

   ورغم تلك الاسباب والمبررات فنحن لا نعفيهم من جزء من المسؤولية ذلك انّ المطلوب منهم ان يحسّنوا ويطوروا بأنفسهم من مستواهم اللغوي والثقافي والمعرفي ولو بقراءة مقال في صحيفة او وريقات من كتاب ما لدقائق يختلسونها من الساعات الطوال التي يقضونها كمدمنين على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس والانستغرام والتك توك وسواها من عشرات التطبيقات التي اكتفوا باستخدام الجانب السلبي منها دون الإيجابي للأسف الشديد لكي يكونوا جديرين بحمل شهادة (البكالوريوس).

   لهذا وفي ظل هذه المعطيات فلا تستغربوا او تذهلوا يوما ما في قادم الأعوام اذا ما شاهدتم او سمعتم بأن هناك من بعض الخريجين من يجهل قراءة وكتابة الحروف الهجائية… وعجبي !!.

{ كاتب واكاديمي



Most Read

2024-09-24 05:18:07