إن ايران، والسعودية، والعراق دول تقع في الشرق الأوسط ولها موقع جيوسياسي مهم. وتعد ايران ثاني اكبر دول الشرق الأوسط من حيث عدد السكان بعد مصر بإجمالي 81 مليون نسمة. اما السعودية فتعد أكبر بلدان الشرق الأوسط مساحة حيث يبلغ مساحتها أكثر من مليون ونصف كيلو متر مربع. واما العراق فيحتل موقع جيوبوليتك مهم لاحتوائه على اكبر احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية(1).
إن العراق بلد عميق في تأريخه وشعب متعطش للعدالة. من الممكن ان يتنازل العراقي عن حريته مقابل ضمان المساواة والعدالة الاجتماعية. وهذا قد يفسر حب العراقيين لعبد الكريم قاسم لأنه رجل نزيه وعادل وليس لأنه يجسد الحرية، وكذلك قد يكون حب العراقيين للإمام علي بن أبي طالب لأنه رجل المساواة والعدالة.
إن منطقة الشرق الأوسط هي موطن توتر وصراع منذ الحرب الكونية الأولى، فلقد عاشت هذه المنطقة تحديات انهاء الاستعمار والحرب الباردة، وشهدت قليلاً من الاستقرار والسلام.
فكيف نفسر استمرار وتجدد الصراعات في هذه المنطقة؟
اضافة لخصوصية الموقع الجغرافي كملتقى طرق وتداخل الهويات العرقية والدينية والطائفية، ورهان الماء والبترول، الا انه هناك عامل آخر يمكن ان يكون سبباً لتجدد الصراع وعدم الاستقرار وهي المعادلة الخفية ايران، السعودية، العراق.
توضيح للمعادلة الخفية:
إن المعادلة في الرياضيات، هي علاقة تحتوي عدة متغيرات، ولحل هذه المعادلة يستوجب تحديد قيمة كل متغير حتى تحصل المعادلة على مساواة والتي يعبر عنها عن طريق علاقة متساوية (2).
المعادلة هي: ايران+ السعودية = العراق
وهنا سؤال: هل يمكن للرياضيات ان تفسر كل شيء؟
نعرف أن الرياضيات فسرت لنا الظواهر الطبيعية بمعادلات وحولتها الى قوانين فيزيائية وكيميائية، فهل يمكن للرياضيات أن تحول لنا المعادلات الى قوانين سياسية؟.
هذا ما حاول ان يفعله العالم الرياضي (ايغين وينر) ووجد بأن المعادلات الرياضية هي وسيلة لفهم ما يحصل في الكون، وقد تكون الكون نفسه (3).
إن السياسة في الشرق الأوسط بحر هائج متلاطم الأمواج، تكتنفه صعوبات ومخاطر، والقراءة السياسية المرضية لا تعتمد على قراءة الأخبار السطحية، ولكنها قراءة رياضية لوغارتيمية تحلل الأخبار وتستنبط الفحوى وتغوص لكي تدرك المعنى الحقيقي.، هي قراءة أشبه بالمعادلات الرياضية والطبيعية الفيزيائية الكيميائية التي تعتمد على معطيات ونتائج منطقية لا تبدو لأول وهلة لبادئ الرأي.
ونحن طلاب في الدراسة المتوسطة تعلمنا قوانين العلوم الطبيعية ومعادلاتها، والغريب أن الكثير منها ثلاثي، مثل قانون السرعة ( السرعة= المسافة / الزمن ) وقانون الكثافة ( الكثافة= الكتلة/ الحجم ).
فهل من الممكن أن نقول بأن هناك معادلة تسمى بمعادلة العراق وهي: ( العراق = السعودية+ ايران). أي معادلة سياسية، اذا صحت تتحول الى قانون، وكيف نثبت ذلك؟
إن السياسة العميقة والحقيقية ليست مشاعر وعواطف وتنجيم أو مجرد ردود أفعال، بل السياسة حسب قول الأديب الفرنسي فيكتور هوغو هي وسيلة لإنتاج الغنى. أي خاضعة لمعادلة تخدم مصالح الناس وتغني الأوطان فليست حقلاً للتجارب.
إن السياسة معادلات مركبة ومعقدة تستند على حركة الواقع وتناقضاته مع توازن المعادلة، ومن لا يجيد التعامل مع تلك المعادلات سيكون مجرد عابث.
لتسهيل البحث استخدمنا مناهج تستخدم في دراسات عالم السياسة وهما: المنهج المقارن والمنهج السلوكي.
لقد وجدت بأن هذين المنهجين هما الأقرب الى مادة البحث من المنهج الفلسفي والتجريبي والوصفي، كذلك فإن المنهج المقارن يستخدم كثيراً في دراسات العلوم الإنسانية.
لنقارن معادلة العراق= السعودية + ايران بمعادلة كيميائية وهي الماء= الهيدروجين + الأوكسجين.
إن الهيدروجين غاز سريع الاشتعال، اما الأوكسجين فهو غاز يساعد على الاشتعال، واما الماء فهو يطفئ النار والاشتعال اي هو اساس الحياة.
فإذا كان العراق هو الماء، فالسعودية هي الهيدروجين وايران هي الأوكسجين.
إن الذي ابغي توضيحه في هذه المعادلة هو ما يلي:
1ـ إن السعودية اذا تفردت في الهيمنة سوف تشتعل وتحترق المنطقة.
2ـ وايران اذا تفردت بالهيمنة سوف تساعد على اشتعال المنطقة.
3ـ العراق غير مستقر لأنه لم يجد الصيغة التي تجمع القوتين وتحولها الى قوة بناء وازدهار.
لتوضيح هذه الفكرة اذكر حدثاً تاريخياً مهماً وهو:
جاءت الجيوش العربية من الجزيرة العربية رافعة السيف بيد والقرآن بيد أخرى ودخلت العراق واصطدمت مع الفرس بمعركة مشهورة هي القادسية. بعد هذا الصدام العسكري حصل تزاوج بين (الإسلام) الذي جاء من الجزيرة مع (الفلسفة) الفارسية، وحصل هذا الالتحام والتزاوج في العراق، واصبحت بغداد عاصمة عالمية في العصر العباسي ومناراً للمعرفة والعلوم، فلقد اصبحت بغداد تجربة بشرية فريدة تعبر عن الازدهار والتعايش السلمي بين جميع الاثنيات والأديان.
إن المعادلة الخفية تبين ان الحل هو ان يمسك العراق بالعصى من الوسط، أي الابتعاد عن الدخول في محور معين، فايران لا ترغب بالتقارب العراقي السعودي، بالمقابل السعودية لا ترغب بالتقارب العراقي الايراني. وهذه المعادلة تركز على ان العراق هو الحل، فهو الماء الذي يعطي الحياة لإيران والسعودية، فإذا تحرك العراق اهتزت ايران، واذا اهتز العراق ارتجفت ايران.
إن ايران تغيرت من الزرادشتية الى الاسلام انطلاقاً من العراق، ولقد تغيرت ايران بعد ثمانية قرون من المذهب السني الى الشيعي انطلاقاً من العراق، كما واصبح العراق دولة ملكية وبعدها بخمس سنوات اصبحت ايران دولة ملكية. كما وقد مال العراق في بداية الحرب العالمية الثانية الى المانيا النازية بعدها مالت ايران مما ادى الى عزل شاه ايران رضا بهلوي ونفيه الى جزيرة موريس، كما وقد دخل السيد الخميني الى ايران بعد نفيه الى العراق خمسة عشر سنة وغير النظام الملكي الى جمهوري ديمقراطي انطلاقاً من العراق، ويحصل الاستقرار والسلام في ايران عندما يكون هناك سلام وامان في العراق، والعكس صحيح.
وهنا نسرد بعض الأحداث الهامة تعزيزاً لهذه الفكرة:
1ـ في 1981 أصبح السيد الخامنئي رئيسا للجمهورية الاسلامية الايرانية، وهو رجل متشدد ليقف امام صدام حسين المتجبر ومفجر الحرب ضد ايران.
2ـ من 1989 الى 1997 أصبح السيد الهاشمي رفسنجاني رئيسا للجمهورية الاسلامية الايرانية وهو رجل معتدل وبراغماتي. جاء بعد ان انتهت الحرب في 1988 وأصبح العراق ضعيفا نتيجة الحصار الاقتصادي بعد غزوه للكويت.
3ـ في 1997 اصبح العراق ضعيفاً ولم يولد خطراً على ايران، وجاء في حينها الى رئاسة ايران من 1997 الى عام 2005 الرئيس محمد خاتمي وهو من الاصلاحيين.
4ـ بعد احتلال العراق في 2003 والحرب الأهلية العراقية جاء لرئاسة ايران من 2005 الى 2013 أحمدي نجاد المتشدد، وفي العراق السيد نوري المالكي المتشدد أيضا..
5ـ في 2013 اصبح السيد حسن روحاني رئيس جمهورية ايران وهو من الاصلاحيين وفي العراق اصبح السيد حيدر العبادي رئيسا للوزراء والاثنان من الاصلاحيين.
إن هذا السرد التاريخي الهدف منه التأكيد على فرضية ان العراق هو الذي يؤثر على ايران وليس العكس. التاريخ البعيد كما القريب يعزز هذه الفكرة. دخل الاسلام من العراق الى ايران، كذلك التشيع ، وحديثا دخل الامام الخميني من العراق مفجرا ثورته الاسلامية، وفي 1980 دخلت الجيوش العراقية ايران معلنة الحرب الثماني سنوات.
إن خارطة المنطقة الجغرافية والتاريخية تبين بأن هناك صراعاً سعودياً ايرانياً على قيادة المنطقة. وهذا الصراع أخذ اشكال متعددة سواء كانت عنصرية او دينية او الاثنان معاً، وكان العراق هو ساحة هذا الصراع، وكل من ايران والسعودية ترغب بان يكون العراق ضمن نفوذهم و يقوم بالحرب بالوكالة عن الدولتين، لذلك نجد العلاقات العراقية السعودية والايرانية محطات تقارب وتباعد رغم وجود العامل الاقتصادي المشترك بين الثلاث دول وهو البترول.
إن المواطن العراقي والسياسي يجد العراق بين نارين، اي بين ايران والسعودية، اما الكاتب الفرنسي (كليمونتتيرم)يدعي بأن هناك حرباً باردة بين ايران والسعودية (4).
إن العلاقة بين ايران والسعودية كانت دائماً متوترة وغير مستقرة، وذلك نتيجة الاختلافات السياسية والدينية والايديولوجية، وهذه الصراعات تمحورت حول البترول، والحصول على نفوذ وهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.
لقد بدأت العلاقات في عام 1928 عندما فرضت أسرة آل سعود نفسها في شبه الجزيرة العربية واسست المملكة العربية السعودية، وهذه الأسرة البدوية الحاكمة كان لها العديد من النقاط المشتركة مع عائلة بهلوي الحاكمة في ايران، فالدولتين ملكية مبنية على الوراثة، والدولتين مبنية على ثنائية المذهب والقومية. في ايران يوجد المذهب الشيعي، وفي السعودية يوجد المذهب الوهابي. كما وان الدولتين ضد التيارات الديمقراطية، كما وان الدولتين نفطيتين ويشرفان على الخليج، وكذلك فإن الدولتين محافظتين وتريدان لعب دور مهم في الشرق الأوسط( 3).
إن دول الشرق الأوسط واجهت أربع تحديات بعد الحرب العالمية الثانية وهي: الحرب الباردة، معارضة القوتين العظميتين بريطانيا وفرنسا، الصراع العربي الاسرائيلي والصراع العربي العربي( 4).
خلال الحرب الباردة، أراد كل من أميريكا وبريطانيا تشكيل تحالف في الشرق الأوسط للوقوف ضد الاتحاد السوفيتي. تأسس حلف بغداد في عام 1955، الذي يضم كل من ايران وتركيا والعراق وبمباركة بريطانيا وباكستان اضافة للحلف الهاشمي الذي يضم العراق والأردن. لم تكن السعودية تشجع هذه الأحلاف رغم كونها الحليف الأقرب لأمريكا. اما نقطة الخلاف الرئيسية بين ايران والسعودية هي اسرائيل. فايران كدولة اعترفت بدولة اسرائيل وكانت تزودها بالبترول وتساهم في امن اسرائيل وكانت ضد حركات التحرر العربية لكن هذا التقارب الايراني الاسرائيلي كان يحرج السعودية امام العرب والمسلمين. هذا الاتجاه لم يقلق السعودية لأن ايران كانت من جانب، ضد التيارات العربية الثورية والقومية، فتحمي دول الخليج التي تعتبرها هذه التيارات بأنها دول رجعية، ومن جانب آخر تحمي ايران نفسها لكي لا تمتد العدوى الى منطقة عربستان التي تحوي على 80 بالمائة من نفط وغاز ايران وقد تشجعها هذه التيارات على الانفصال من ايران. لقد كانت ايران لا ترى الوهابية السعودية مقلقة لسياستها، وذلك لأن سكان عربستان هم شيعة لا يمكن ان يكون تأثير للوهابية على انتماءاتهم، ولم يكن للمذهب تأثير على سياسة الدولتين، وكانت المعادلة تسير بصورة صحيحة لأن النتيجة هي ضمان تدفق البترول.
إن سياسة ايران والسعودية في الأوبك هي خير دليل على سير المعادلة ايران والسعودية تساوي البترول، حتى في 1973 تعاون شاه ايران مع الملك فيصل بن سعود على زيادة الاسعار، كذلك ايران باركت للملك فيصل ملك السعودية بتأسيس منظمة الدول الاسلامية للوقوف امام المد القومي الناصري والبعثي في المنطقة (5). نعم، لقد بدأ الخلاف الحقيقي بين الدولتين بعد تأسيس الجمهورية الاسلامية في عام 1979.
إن العرب ابعدوا عن المعادلة العالمية منذ سقوط بغداد في 1258 على يد المغول، ومنها حكم المنطقة غير عرب، اما مغول او أتراك او أكراد. لقد بدأ للعرب مكانة واهتمام عالمي بعد اكتشاف البترول، فحتى منتصف القرن العشرين لم يكن للعرب تهديد للأمتين الفارسية والتركية. بعد 1973 ازدادت أسعار البترول بشكل مذهل، وأصبح الشرق الأوسط وخاصة الدول النفطية مركز العالم، هنا بدأ اللاوعي الجمعي للأتراك والايرانيين الخوف من غزوا العرب لهم مثلما غزوهم سابقاً باسم الاسلام.
إن شاه ايران لم يكن بمقدوره الوقوف امام صعود الاسلام في المنطقة، وجاء الامام الخميني بثورة عارمة ملتفة حوله التيارات العلمانية واليسارية مثل الحزب الشيوعي، والتيارات القومية العلمانية مثل اتباع مصدق والتيارات الاسلامية المدعومة من رجال الدين.
إن اعلان جمهورية اسلامية ذات مذهب شيعي من الممكن ان يقف أمام الملكية والمذهبية الوهابية، فايران تمثل تحديان للسعودية: تحدي الجمهورية للملكية، وتحدي الإسلام الشيعي ضد الاسلام الوهابي.
ولتعزيز هذا التفسير نقول: عندما نجحت التيارات الاسلامية السنية في افغانستان وبدعم من الوهابية السعودية بطرد السوفييت من افغانستان، قبل ان يعلن السوفييت انسحابهم الرسمي من أفغانستان في 15شباط 1989، أعلن الامام الخميني الفتوى ضد الكاتب سلمان رشدي لكتابه آيات شيطانية، فانشغل العالم في صدى الفتوى وأصبح نصر الاسلام الوهابي في تحرير افغانستان خبر ثاني.
اما الأتراك، ففي بداية الثمانينات من القرن الماضي بدأت الصحوة الاسلامية وبقيادة السيد أربكان، وفي 1980 دعا الى مظاهرة كبيرة يطلب من الحكومة التركية قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل، وبذلك فإن تركيا ايضاً قد سلحت نفسها بالإسلام السني خوفاً من الاسلام الوهابي الذي يملك قوة مالية كبيرة.
إن الثورة الاسلامية في ايران أسقطت النظام الملكي المستبد وحولته الى نظام جمهوري ديمقراطي ثوري، هذا النظام للحكم سوف يحفز شعوب المنطقة بحذو حذو ايران وتسقط الأنظمة العائلية والديكتاتوري هذا من جانب، اما من جانب آخر، فالنظام الايراني اسلامي شيعي ثوري عدو للإسلام السلفي الوهابي، ولمواجهة هذا التحدي الكبير قامت السعودية بتبني استراتيجية تعتمد على عدة أهداف اقليمية منها مساندة العراق في حربه ضد ايران، ومساندة منظمة مجاهدي خلق المتطرفة رغم تصنيفها ضمن قائمة المنظمات الارهابية من قبل امريكا حتى عام 2012، وكذلك العمل على تأسيس الهلال السني من السعودية والعراق وسوريا ولبنان( 6 ) .
اذن ماهو الحل لهذه المعادلة: العراق= السعودية + ايران
إن الحل هو العراق، فعلى العراقيين الساسة والأكاديميين أن يفهموا سر هذه المعادلة ويبحثوا فيها من جميع المجالات التاريخية، الجغرافية، الاجتماعية، السياسية، الاثنية وخاصة الاقتصادية.
المصادر
IRAN, les cahiers de l’orient, vol.1 no. 93, 2009.1
2.Gilles Lachaud, équation mathématique. Encyclopaedia Universails. 2017
3.Eugen Wigner, l’efficavcité de raisonnable de mathématiques . Sciences naturelles, vol.13, New York 1960
4.Clément Terme, Iran et Arabie Saudite une guerre froide. Paris 2016
5.Courrier international Iran-Arabie Saudite, l’escalade sunnites-chiites, paris 2016
6.Antoine Izambard, cinq question pour comprendre la crise entre Iran et l 4 Arabie Saoudite. Paris 2015
2024-09-24 05:22:47