د. فاتح عبدالسلام
وظفت الحكومة المغربية إمكاناتها كافة من أجل انقاذ الطفل ريان الذي سقط في بئر في منطقة ريفية، وكان العالم كله يتابع ساعة بساعة عمليات الحفر للوصول الى المكان الذي علق فيه الطفل، مع دعوات من قلوب الملايين. هذا المشهد المحزن الذي تعاطفنا معه وجرت دموعنا من اجله، يحيلنا الى مئات المدنيين الذين دفنوا في بيوتهم في الجانب الأيمن من الموصل، وبقوا تحت الأنقاض أياماً وكان بالإمكان انقاذهم في تفادي قصفهم وليس في الحفر الذي كان مستحيلا في تلك الظروف، لكن موجات القصف كانت تتوالى فوقهم في عملية تحرير الموصل من يد داعش الإرهابي التي كانت خارج مقاييس الحذر من سفك دم العراقيين المفترض انهم امنون في منازلهم بالبلدة القديمة بالموصل. كان ظهور قناص واحد لداعش فوق سطح منزل احتمى اهله بالسرداب مبررا كافيا لإطلاق صاروخ من طائرة او انهمار سيل من القذائف الموجهة ينهي حياة عوائل في ذلك المنزل، اذ كانت مجموعة من العوائل تحتمي بالمنازل التي فيها سراديب، فتحولت الى قبور جماعية لهم. مهما كانت المبررات التي ساقها مَن ساقها من التحالف الدولي أو اية جهة عراقية فهي لا تبرر التحرير بدفن مئات المدنيين لأنَّ الاقدار جعلتهم عالقين في منازل متهالكة وأثرية في قدمها بين صفين من النيران.
هناك عوائل، تمَّ جرف منازلها بعد ستة شهور من التحرير بجرافات، وكانوا جثثاً تحت انقاضها في سراديب وغرف، ولم يتم الاستدلال على هوياتهم واندثروا بشكل نهائي، لأنَّ العائلة كانت كلها تحت الأنقاض ولا يوجد شخص واحد ناج ليبحث عنهم او يطالب بجثثهم. هكذا كان الحال في الموصل القديمة، ولا يمكن لأحد أن يطلب نسيان تلك الصفحة وما جرى فيها من معالجات كانت أقسى من الداء نفسه.
كان نهر دجلة يمتد على طول البلدة القديمة وما حولها وكان مساحة هائلة يمكن للقوات التسلل منها وتحقيق موطىء قدم، لاسيما في الليل وفتح مسارات لتهريب المدنيين وتخفيف حمل البلدة عبر زوارق، فضلا عن انّ القتال عبر النهر كان غائبا، وهو ابرز القتالات التي كان يتمتع بها الجيش العراقي في تاريخه لاسيما في معارك الاهوار وجزيرة ام الرصاص ونهر جاسم في البصرة في أيام الحرب العراقية الإيرانية. ما الذي حصل ولماذا تغيرت حتى عقيدة القتال ونمط التفكير في استخدام السلاح وحرب المدن؟
رئيس التحرير -الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com
2024-09-24 11:34:46