Breaking News >> News >> Azzaman


طفل مغربي ومأساة عراقية


Link [2022-02-05 14:01:29]



د. فاتح عبدالسلام

‭ ‬وظفت‭ ‬الحكومة‭ ‬المغربية‭ ‬إمكاناتها‭ ‬كافة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬انقاذ‭ ‬الطفل‭ ‬ريان‭ ‬الذي‭ ‬سقط‭ ‬في‭ ‬بئر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ريفية،‭ ‬وكان‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يتابع‭ ‬ساعة‭ ‬بساعة‭ ‬عمليات‭ ‬الحفر‭ ‬للوصول‭ ‬الى‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬علق‭ ‬فيه‭ ‬الطفل،‭ ‬مع‭ ‬دعوات‭ ‬من‭ ‬قلوب‭ ‬الملايين‭. ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المحزن‭ ‬الذي‭ ‬تعاطفنا‭ ‬معه‭ ‬وجرت‭ ‬دموعنا‭ ‬من‭ ‬اجله،‭ ‬يحيلنا‭ ‬الى‭ ‬مئات‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬دفنوا‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الأيمن‭ ‬من‭ ‬الموصل،‭ ‬وبقوا‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض‭ ‬أياماً‭ ‬وكان‭ ‬بالإمكان‭ ‬انقاذهم‭ ‬في‭ ‬تفادي‭ ‬قصفهم‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الحفر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مستحيلا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الظروف،‭ ‬لكن‭ ‬موجات‭ ‬القصف‭ ‬كانت‭ ‬تتوالى‭ ‬فوقهم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تحرير‭ ‬الموصل‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬خارج‭ ‬مقاييس‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬سفك‭ ‬دم‭ ‬العراقيين‭ ‬المفترض‭ ‬انهم‭ ‬امنون‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬بالبلدة‭ ‬القديمة‭ ‬بالموصل‭. ‬كان‭ ‬ظهور‭ ‬قناص‭ ‬واحد‭ ‬لداعش‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬منزل‭ ‬احتمى‭ ‬اهله‭ ‬بالسرداب‭ ‬مبررا‭ ‬كافيا‭ ‬لإطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬من‭ ‬طائرة‭ ‬او‭ ‬انهمار‭ ‬سيل‭ ‬من‭ ‬القذائف‭ ‬الموجهة‭ ‬ينهي‭ ‬حياة‭ ‬عوائل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المنزل،‭ ‬اذ‭ ‬كانت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العوائل‭ ‬تحتمي‭ ‬بالمنازل‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬سراديب،‭ ‬فتحولت‭ ‬الى‭ ‬قبور‭ ‬جماعية‭ ‬لهم‭. ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬المبررات‭ ‬التي‭ ‬ساقها‭ ‬مَن‭ ‬ساقها‭ ‬من‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬أو‭ ‬اية‭ ‬جهة‭ ‬عراقية‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تبرر‭ ‬التحرير‭ ‬بدفن‭ ‬مئات‭ ‬المدنيين‭ ‬لأنَّ‭ ‬الاقدار‭ ‬جعلتهم‭ ‬عالقين‭ ‬في‭ ‬منازل‭ ‬متهالكة‭ ‬وأثرية‭ ‬في‭ ‬قدمها‭ ‬بين‭ ‬صفين‭ ‬من‭ ‬النيران‭.‬

هناك‭ ‬عوائل،‭ ‬تمَّ‭ ‬جرف‭ ‬منازلها‭ ‬بعد‭ ‬ستة‭ ‬شهور‭ ‬من‭ ‬التحرير‭ ‬بجرافات،‭ ‬وكانوا‭ ‬جثثاً‭ ‬تحت‭ ‬انقاضها‭ ‬في‭ ‬سراديب‭ ‬وغرف،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬الاستدلال‭ ‬على‭ ‬هوياتهم‭ ‬واندثروا‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي،‭ ‬لأنَّ‭ ‬العائلة‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬ناج‭ ‬ليبحث‭ ‬عنهم‭ ‬او‭ ‬يطالب‭ ‬بجثثهم‭. ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬القديمة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬نسيان‭ ‬تلك‭ ‬الصفحة‭ ‬وما‭ ‬جرى‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬معالجات‭ ‬كانت‭ ‬أقسى‭ ‬من‭ ‬الداء‭ ‬نفسه‭.‬

كان‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬يمتد‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬البلدة‭ ‬القديمة‭ ‬وما‭ ‬حولها‭ ‬وكان‭ ‬مساحة‭ ‬هائلة‭ ‬يمكن‭ ‬للقوات‭ ‬التسلل‭ ‬منها‭ ‬وتحقيق‭ ‬موطىء‭ ‬قدم،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬وفتح‭ ‬مسارات‭ ‬لتهريب‭ ‬المدنيين‭ ‬وتخفيف‭ ‬حمل‭ ‬البلدة‭ ‬عبر‭ ‬زوارق،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬انّ‭ ‬القتال‭ ‬عبر‭ ‬النهر‭ ‬كان‭ ‬غائبا،‭ ‬وهو‭ ‬ابرز‭ ‬القتالات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬الاهوار‭ ‬وجزيرة‭ ‬ام‭ ‬الرصاص‭ ‬ونهر‭ ‬جاسم‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الإيرانية‭. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬ولماذا‭ ‬تغيرت‭ ‬حتى‭ ‬عقيدة‭ ‬القتال‭ ‬ونمط‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬وحرب‭ ‬المدن؟

رئيس التحرير -الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com



Most Read

2024-09-24 11:34:46