Breaking News >> News >> Azzaman


‏عاشق من هيت -رباح آل جعفر


Link [2022-02-02 01:33:18]



‏هناك‭ ‬حكاية‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬سكن‭ ‬هيت‭ ‬ردحاً‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬

‏والنبي‭ ‬نوح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬بنى‭ ‬سفينته‭ ‬من‭ ‬عيون‭ ‬القير‭ ‬في‭ ‬هيت‭. ‬

‏ومن‭ ‬هذه‭ ‬العيون‭ ‬أيضاً‭ ‬كُسيت‭ ‬شوارع‭ ‬مدينة‭ ‬بابل‭ ‬التاريخية‭ ‬عاصمة‭ ‬حمورابي‭ ‬ونبوخذ‭ ‬نصر‭. ‬

‏وفي‭ ‬هيت‭ ‬مرّ‭ ‬أبو‭ ‬الأنبياء‭ ‬إبراهيم‭ ‬الخليل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬هجرته‭ ‬من‭ ‬أور‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬وفلسطين‭ ‬ومنهما‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬لبناء‭ ‬الكعبة‭!.  ‬

‏وفي‭ ‬كتاب‭ “‬هيت‭.. ‬مدينة‭ ‬ورجال‭” ‬لمؤلفه‭ ‬صديقنا‭ ‬الدكتور‭ ‬قحطان‭ ‬محمد‭ ‬صالح‭ ‬الهيتي‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬منك‭ ‬اهتماماً‭. ‬إنه‭ ‬يأخذك‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬ممتعة‭ ‬على‭ ‬جناح‭ ‬طائر‭ ‬لترى‭ ‬معالم‭ ‬هيت‭ ‬وتقف‭ ‬على‭ ‬آثارها‭. ‬وتتذكر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الشوق‭ ‬عند‭ ‬أطلالها‭. ‬من‭ ‬القلعة‭ ‬إلى‭ ‬الشاقوفة‭. ‬ومن‭ ‬عيون‭ ‬المها‭ ‬إلى‭ ‬عيون‭ ‬القير‭.‬‭ ‬ومن‭ ‬وادي‭ ‬الغضا‭ ‬إلى‭ ‬وادي‭ ‬العيدي‭. ‬ومن‭ ‬وادي‭ ‬حوران‭ ‬إلى‭ ‬المملحة‭.. ‬وكيف‭ ‬سبقت‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬حضارة‭ ‬سومر،‭ ‬وباب‭ ‬عشتار،‭ ‬وبناء‭ ‬الزقورات،‭ ‬وأبراج‭ ‬بابل؟‭!.‬

‏وينقلك‭ ‬المؤلف‭ ‬بصوره‭ ‬الأدبية‭ ‬وسرده‭ ‬التاريخي‭ ‬من‭ ‬جبل‭ “‬التوباد‭” ‬إلى‭ ‬بساتين‭ “‬الخوضة‭”‬،‭ ‬ومن‭ ‬جبل‭ “‬الريَّان‭” ‬إلى‭ “‬السهيليّة‭”‬،‭ ‬و‭”‬الدرستانية‭”‬،‭ ‬و‭”‬القبانية‭”‬،‭ ‬و‭”‬المجنون‭”. ‬فترى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدة‭ ‬الوديعة‭ ‬الناعسة‭ ‬النائمة‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬الفرات‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تراه‭ ‬في‭ ‬أجمل‭ ‬مدن‭ ‬العالم‭.  ‬

‏وهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يجيبك‭ ‬عن‭ ‬اسئلة‭ ‬ظريفة‭ ‬مشوِّقة‭. ‬فأنت‭ ‬تعرف‭ ‬مثلاً‭ ‬سرَّ‭ “‬القاف‭” ‬في‭ ‬لهجة‭ ‬أهل‭ ‬هيت؟‭. ‬

‏ولماذا‭ ‬يُسمّون‭ “‬التوت‭” ‬بالفرطاس‭ ‬ويسمّيه‭ ‬أهل‭ ‬حديثة‭ ‬ب‭”‬الفرطوس‭” ‬بينما‭ ‬هو‭ “‬تُكِّي‭” ‬في‭ ‬لهجة‭ ‬أهل‭ ‬بغداد؟‭.‬

‏وتقرأ‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬والنوادر‭ ‬والقفشات‭ ‬نثراً‭ ‬وشعراً‭ ‬عن‭ ‬أقدم‭ ‬مسجد‭ ‬بناه‭ ‬الخليفة‭ ‬الفاروق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭.  ‬وأعلى‭ ‬مئذنة‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭. ‬وأول‭ ‬مدرسة‭ ‬ابتدائية‭. ‬وأول‭ ‬معلم‭. ‬وأول‭ ‬مستوصف‭. ‬وأول‭ ‬مقهى‭ ‬بين‭ ‬الهيتاويّين‭. ‬وأول‭ ‬بائع‭ ‬دخان‭. ‬وأطيب‭ ‬أنواع‭ ‬البطيخ‭. ‬وأقدم‭ ‬شجرة‭ ‬نارنج‭. ‬وأطول‭ ‬نخلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة؟‭. ‬

‏وكان‭ ‬ابن‭ ‬هيت‭ ‬أستاذنا‭ ‬مدني‭ ‬صالح‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬كلما‭ ‬تذكّر‭ ‬نخلات‭ ‬يملكها‭ ‬في‭ ‬بستان‭ ‬هناك‭: ‬إن‭ ‬الإنسان‭ ‬بلا‭ ‬نخل‭ ‬معدوم‭ ‬في‭ ‬عدم،‭ ‬وإن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬نخلة‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬له،‭ ‬وإذا‭ ‬أضاع‭ ‬الإنسان‭ ‬نخلة‭ ‬فقد‭ ‬ضاع‭ ‬وجوده‭!.‬

‏وفي‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬تجولت‭ ‬عالمة‭ ‬الآثار‭ ‬البريطانية‭ ‬المس‭ ‬بيل‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬الجمال‭ ‬وكتبت‭ ‬من‭ ‬هيت‭ ‬أجمل‭ ‬رسائل‭ ‬الشوق‭ ‬إلى‭ ‬والدها‭.. ‬مثلما‭ ‬تقرأ‭ “‬حكايات‭ ‬رجال‭ ‬طيّبين‭” ‬وتتعرف‭ ‬على‭ ‬شخصيات‭ ‬هيتاوية‭ ‬باهرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال‭. ‬

‏ولأن‭ “‬كلّ‭ ‬امرئٍ‭ ‬يُولي‭ ‬الجميلَ‭ ‬مُحبّبُ‭.. ‬وكلّ‭ ‬مكانٍ‭ ‬ينبتُ‭ ‬العزَّ‭ ‬طيِّبُ‭” ‬قالها‭ ‬المتنبي‭ ‬قبل‭ ‬ألف‭ ‬عام‭. ‬فإن‭ ‬مؤلف‭ ‬الكتاب‭ ‬مدين‭ ‬لهذه‭ “‬المدينة‭ ‬الفاضلة‭” ‬بعدما‭ ‬نفحته‭ ‬منها‭ ‬الصّبا‭ ‬بنسيم‭. ‬وَحَنَتْ‭ ‬عليه‭ ‬حنو‭ ‬المرضعات‭ ‬على‭ ‬الفطيم‭.  ‬إنها‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬دار‭ ‬سُعدى‭ ‬في‭ ‬قلبه،‭ ‬أو‭ ‬دار‭ ‬عفراء‭ ‬في‭ ‬أسفار‭ ‬عشقه‭. ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬دار‭ ‬ميَّة‭ ‬بالعلياء‭ ‬ولا‭ ‬دار‭ ‬عبلة‭ ‬بالجواء‭. ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تهامته‭ ‬ونجده‭ ‬وشامه‭ ‬وبغداده‭. ‬

لقد‭ ‬شعرت‭ ‬بالصديق‭ ‬قحطان‭ ‬الهيتي‭ ‬وأنا‭ ‬أنتهي‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬كتابه‭ “‬هيت‭.. ‬مدينة‭ ‬ورجال‭” ‬كمن‭ ‬يتمنى‭ ‬لو‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شجرة‭ ‬من‭ ‬أشجارها،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬جدار‭ ‬من‭ ‬جدرانها،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬باب‭ ‬من‭ ‬أبوابها،‭ ‬بيتاً‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬لذلك‭ ‬العاشق‭ ‬البدوي‭ ‬القائل‭ ‬في‭ ‬حبيبته‭: ‬

‏‭ ‬إنّا‭ ‬تقاسمنا‭ ‬الغضـا‭ ‬فغصونــه‭ ‬

‏في‭ ‬راحتيكِ‭ ‬وجمره‭ ‬في‭ ‬أضلعي



Most Read

2024-09-24 13:27:25