Breaking News >> News >> Azzaman


المقاهي ملجأ اللبنانيين في الأزمة.. أجواء مكتبات وشباب يبحثون عن أمل


Link [2022-02-02 01:33:18]



بيروت‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬داخل‭ ‬أحد‭ ‬مقاهي‭ ‬شارع‭ ‬مخايل‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬تبدو‭ ‬الموسيقى‭ ‬الهادئة‭ ‬المخيّمة‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬أقرب‭ ‬الى‭ ‬أجواء‭ ‬مكتبة‭ ‬جامعية‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬إلى‭ ‬حانة‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬يُقبل‭ ‬عليه‭ ‬اللبنانيون‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬هرباً‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

وتتخذ‭ ‬ماريا‭ ‬بو‭ ‬روفايل‭ (‬32‭ ‬عاماً‭) ‬من‭ ‬مقهى‭ “‬Aaliya’s‭ ‬Books‭” (‬كتب‭ ‬عالية‭) ‬مقراً‭ ‬تنجز‭ ‬منه‭ ‬عملها‭ ‬اليومي‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬لصالح‭ ‬منظمات‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭. ‬

وتروي‭ ‬كيف‭ ‬أنها‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬الراحة‭ ‬المتوفّرة‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬خدمة‭ ‬الانترنت‭ “‬واي‭ ‬فاي‭”. ‬وتقول‭ ‬إنّ‭ ‬مكوثها‭ ‬في‭ ‬المقهى‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ “‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬غير‭ ‬مؤمّن‭” ‬في‭ ‬منزلها‭. ‬

فمنذ‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬الأزمة‭ ‬المتعددة‭ ‬الوجوه‭ ‬تعصف‭ ‬بلبنان‭ ‬قبل‭ ‬عامين،‭ ‬تضاءل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬شبه‭ ‬معدوم‭ ‬عدد‭ ‬ساعات‭ ‬التغذية‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬كهرباء‭ ‬لبنان‭ ‬الرسمية‭. ‬وبات‭ ‬توافر‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭ ‬يومياً،‭ ‬وفي‭ ‬أفضل‭ ‬الأحوال‭ ‬اثنتين‭.‬

وأصبح‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬المولّدات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المازوت،‭ ‬مكلفاً،‭ ‬منذ‭ ‬رفع‭ ‬الحكومة‭ ‬الدعم‭ ‬عن‭ ‬استيراد‭ ‬المحروقات،‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬أدى‭ ‬فيه‭ ‬تراجع‭ ‬قيمة‭ ‬الليرة‭ ‬اللبنانية‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية،‭ ‬وصار‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للأجور‭ ‬البالغ‭ ‬675‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭ ‬بالكاد‭ ‬يساوي‭ ‬29‭ ‬دولاراً،‭ ‬وفق‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭.‬

كذلك،‭ ‬تراجعت‭ ‬نوعية‭ ‬الاتصال‭ ‬بشبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ازدادت‭ ‬حاجة‭ ‬الناس‭ ‬إليها‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬كثر‭ ‬منهم‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬خلال‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭. ‬

ويلجأ‭ ‬اللبنانيون‭ ‬إزاء‭ ‬هذا‭ ‬القصور‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬الحيوية،‭ ‬إلى‭ ‬المقاهي‭ ‬التي‭ ‬تتغذى‭ ‬كهربائياً‭ ‬من‭ ‬مولدات‭ ‬خاصة‭ ‬وتملك‭ ‬بطاريات‭ “‬يو‭ ‬بي‭ ‬إس‭” ‬تزوّدها‭ ‬بالتيّار‭ ‬موقتاً‭ ‬عند‭ ‬انقطاعه‭. ‬

وتقول‭ ‬مديرة‭ ‬المقهى‭ ‬نِيام‭ ‬فليمينغ‭ ‬فاريل‭ ‬لفرانس‭ ‬برس‭ “‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬يأتون‭ ‬يومياً‭ ‬إلى‭ ‬المقهى‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬عملهم‭” ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ماريا‭ ‬التي‭ ‬تقصد‭ ‬المكان‭ ‬أيضاً‭ ‬لخصوصيته‭ ‬الثقافية‭ “‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬فقد‭ ‬لبنان‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬الثقافية‭”. ‬

ويستمد‭ ‬المقهى‭ ‬الذي‭ ‬تمتلئ‭ ‬رفوفه‭ ‬بالكتب،‭ ‬اسمه‭ ‬من‭ ‬عالية‭ ‬صالح،‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬رواية‭ “‬امرأة‭ ‬لا‭ ‬لزوم‭ ‬لها‭” ‬للكاتب‭ ‬اللبناني‭ ‬الأميركي‭ ‬الشهير‭ ‬ربيع‭ ‬علم‭ ‬الدين‭ ‬التي‭ ‬تحكي‭ ‬قصة‭ ‬امرأة‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬منزلها‭ ‬لتكون‭ ‬محاطة‭ ‬بكتبها،‭ ‬فيما‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬مستعرة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭.‬

ويشكّل‭ “‬كافيه‭ ‬يونس‭” ‬الذي‭ ‬تنتشر‭ ‬فروعه‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬نموذجاً‭ ‬يعكس‭ ‬بوضوح‭ ‬الإقبال‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬المقاهي‭.‬

وتوضح‭ ‬إدارة‭ ‬المقهى‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬أن‭ ‬الزبائن‭ “‬باتوا‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة‭ ‬والجائحة‭ ‬يخصّصون‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬وجودهم‭ ‬فيه‭ ‬للعمل،‭ ‬ويفضّلون‭  ‬من‭ ‬أجزائه،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬توفّر‭ ‬لهم‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الراحة‭”.  ‬وحرص‭ ‬المقهى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يخصّص‭ “‬صالة‭ ‬مذاكرة‭” ‬تضمّ‭ ‬طاولات‭ ‬كبيرة‭ ‬وتكثر‭ ‬فيها‭ ‬المقابس‭ ‬الكهربائية‭ ‬في‭ ‬فرع‭ ‬جديد‭ ‬افتتحه‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬الحمراء‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬يعجّ‭ ‬بطلاب‭ ‬الجامعات‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬منه‭. ‬ويوفّر‭ ‬مقهى‭ “‬برزخ‭” ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الطبقة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأبنية‭ ‬لرواده‭ ‬رؤية‭ ‬على‭ ‬شارع‭ ‬الحمراء‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬شكل‭ ‬شريانا‭ ‬حيويا‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬اللبنانية‭. ‬

ويقول‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تصميم‭ ‬الأزياء‭ ‬مصطفى‭ ‬السوس‭ ‬بينما‭ ‬يتصفح‭ ‬دفتر‭ ‬رسومه‭ “‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أنا‭ ‬جالس،‭ ‬وأتفرج‭ ‬على‭ ‬المارة‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬لكنني‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬تتوافر‭ ‬فيه‭ ‬الخصوصية‭ ‬ويتيح‭ ‬الاسترخاء‭” ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭.‬

وبات‭ ‬هذا‭ ‬الهدوء‭ ‬عملة‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬خضمّ‭ ‬انعدام‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬ككلّ‭.‬

ويروي‭ ‬مؤسس‭ “‬برزخ‭” ‬منصور‭ ‬عزيز‭ ‬لفرانس‭ ‬برس‭ ‬أن‭ “‬التوجه‭ ‬الأساسي‭ ‬كان‭ ‬عدم‭ ‬السماح‭ ‬باستخدام‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬المحمولة‭” ‬في‭ ‬المقهى،‭ ‬لكن‭ ‬تمّ‭ ‬صرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ “‬الناس‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭” ‬على‭ ‬حواسيبهم‭.   ‬وتختلط‭ ‬أجهزة‭ ‬شحن‭ ‬الهواتف‭ ‬والحواسيب‭ ‬بالفناجين‭ ‬والأكواب‭ ‬ودفاتر‭ ‬الملاحظات‭ ‬على‭ ‬الطاولات‭ ‬الواسعة‭ ‬في‭ ‬المقهى‭ ‬الذي‭ ‬فتح‭ ‬أبوابه‭ ‬قبل‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭. ‬

وتمتلئ‭ ‬كل‭ ‬طاولات‭ ‬المقهى‭ ‬أحياناً،‭ ‬ما‭ ‬يشكّل‭ ‬لزبائنه‭ ‬فرصة‭ ‬لنسج‭ ‬علاقات‭ ‬جديدة،‭ ‬بعدما‭ ‬باتت‭ ‬خيارات‭ ‬الخروج‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمعيشي‭ ‬الصعب‭ ‬الذي‭ ‬يثني‭ ‬غالبية‭ ‬اللبنانيين‭ ‬عن‭ ‬ارتياد‭ ‬أماكن‭ ‬الترفيه‭ ‬والسهر‭. ‬ويصف‭ ‬مصطفى‭ ‬نفسه‭ ‬بأنه‭ “‬شخص‭ ‬شديد‭ ‬الانفتاح‭ ‬اجتماعياً‭” ‬ويهوى‭ “‬لقاء‭ ‬الناس‭ ‬والتحادث‭ ‬معهم‭”.  ‬ويضيف‭ “‬أحب‭ ‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬الناس‭ ‬ليروا‭ ‬ما‭ ‬أفعل‭.. ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الاعتداد‭ ‬بالنفس،‭ ‬بل‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬شعور‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬عبثاً‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬لا‭ ‬شيء‭”. ‬

بينما‭ ‬ينهمك‭ ‬بإجراء‭ ‬تنقيح‭ ‬رقمي‭ ‬لصورة‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬يقول‭ ‬المصوّر‭ ‬كريم‭ ‬صقر‭ ‬لفرانس‭ ‬برس‭ “‬عملت‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬منزلي،‭ ‬ثم‭ ‬سألت‭ ‬نفسي‭ ‬لم‭ ‬لا‭ ‬أعمل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقاهي‭ ‬التي‭ ‬اعتدت‭ ‬على‭ ‬ارتيادها‭ ‬سابقا؟‭”. ‬

ويرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ “‬يتيح‭ ‬إحياء‭ ‬ثقافة‭ ‬المقهى‭”‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬الى‭ ‬زمن‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬المقاهي‭ ‬مكانا‭ ‬يلتقي‭ ‬فيه‭ ‬الأصدقاء‭ ‬للعب‭ ‬الورق‭ ‬أو‭ ‬الطاولة،‭ ‬المثقفون‭ ‬وأحيانا‭ ‬السياسيون،‭ ‬للنقاش‭ ‬والتبادل‭.  ‬ويرى‭ ‬صقر‭ ‬أن‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬المقاهي‭ ‬اليوم‭ “‬يعكس‭ ‬قدرة‭ ‬اللبناني‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والاستمرار،‭ ‬ولهذا‭ ‬حسنات‭ ‬وسيئات‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭”.  ‬ويضيف‭ “‬نحاول‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬منازلنا،‭ ‬ومقابلة‭ ‬الناس،‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬المقهى‭. ‬هذه‭ (‬الإرادة‭) ‬متأصلة‭ ‬فينا،‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬دمنا‭”. ‬



Most Read

2024-09-24 13:32:39