Breaking News >> News >> Azzaman


مذكرات محسن الشيخ راضي


Link [2022-02-01 22:13:44]



مذكرات محسن الشيخ راضي

من ذروة النضال إلى دنو القطيعة توضيح وتعقيب وتصويب

شكيب كاظم

أول مرة طرق فيها اسمهُ سمعي، ومن ثم ترسخ وبقي ماكثا في ذاكرتي، يوم سمعت من الإذاعة العراقية، قرار القيادة القطرية الجديدة لحزب البعث، بإبعاد عدد من أعضاء القيادة إلى خارج العراق وهم: علي صالح السعدي؛ وحمدي عبد المجيد؛ وهاني الفكيكي؛ وأبو طالب عبد المطلب الهاشمي؛ ومحسن الشيخ راضي، حصل ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر تشرين الثاني 1963.

كنت طالبا في الصف الخامس الثانوي في الثانوية الجعفرية الأهلية المسائية، نسمع حصول خلافات وانشقاق في صفوف قيادة الحزب الحاكم، تطور في الثالث عشر من الشهر نفسه إلى قيام المقدم الطيار منذر توفيق الونداوي؛ قائد الحرس القومي، المناصر للجناح المدني الذي أبعد إلى مدريد، وللتعبير عن تأييده لهذا الجناح، بقصف مَدْرَج مطار معسكر الرشيد العسكري، وضرب الطائرات الحربية الجاثمة عليه، وقصف دار الإذاعة في الصالحية، واختتم الأمر بقصف قبة القصر الجمهوري؛ مقر الرئيس عبد السلام عارف! الذي انتظر أياما ثم انقض على رفاق الأمس فجر الثامن عشر من الشهر عينه، ببيان أول قرأه العقيد الركن هادي خماس؛ مدير الاستخبارات العسكرية!

مناسبة حديثي هذا؛ قراءتي لمذكرات من طرق سمعيَ اسمه في ذلك اليوم من سنة 1963، ومكث في الذاكرة، مع أنه اختفى من ساحة السياسة العراقية العاصفة، كما اختفى حميد خلخال؛ وأبو طالب عبد المطلب الهاشمي؛ وحمدي عبد المجيد، في حين ظل علي صالح السعدي يطل بين آونة وأخرى حتى وفاته في أحد مستشفيات لندن في الخامس عشر من أيلول 1977، وهاني الفكيكي من خلال مذكراته، فضلا عن علاقة روحية ثقافية مع أبيه القاضي الفاضل توفيق (علي) الفكيكي، الذي قرأت عديد كتبه الثقافية والأدبية.

قرأت مذكرات الأستاذ الدكتور محسن الشيخ راضي؛ التي حملت عنوان (كنت بعثيا. مذكرات محسن الشيخ راضي. من ذروة النضال إلى دنو القطيعة) التي حررها وقدمها وعلق عليها، الدكتور طارق مجيد تقي العقيلي، وصدرت الطبعة الأولى من الجزء الأول هذا عام 1440ه2021- ، وتقع في ثلاث مئة وست وثلاثين صفحة.

لقد رأيت الأستاذ محسن الشيخ راضي، بعد أن عرّكته السنون وعصف الحياة، يحكَم العقل والوجدان والجَنان، ويقصي العواطف والتعصب، إزاء تصاريف الدهر التي مرت بالعراق، وعاصرها وعايشها، وكان له دور مؤثر في صنعها، ويعطي لكل ذي حق حقه، وتصل به المصداقية والصراحة وقولة الحق، أن يلوم نفسه، وينتقد بعض تصرفاته، رائده الحقيقة.

لن اتحدت عما ورد في الكتاب، فهو معروض في سوق الكتب، وقد تحدث عن فصوله كثر من الباحثين، لكن رأيت الوقوف عند بعض الهفوات الهينات وغير الهينات، الناتجة عن الذاكرة التي استند إليها، الوقوف معقبا ومصوّبا وموضحا.

أولاً-ص88- ذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي: بعد ذلك (حصل ذلك سنة 1959)، تم تسفيرنا إلى بغداد واعتقالنا في سجن الموقف العام في باب المعظم، ضم هذا السجن ثلاث بنايات، سجون كبيرة خصص واحد منها لسجناء شخصيات العهد الملكي، من غير المحكومين بالإعدام، منهم: رشيد عالي الكيلاني،”.

قلت: لقد اعتقل رشيد عالي الكيلاني، الذي عاد إلى العراق من مصر في شهر آب 1958، اعتقل في 8 من كانون الأول  58وقدم إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة برئاسة العقيد فاضل عباس المهداوي، وحكمت عليه بالإعدام، لكنه لم ينفذ، وأطلق سراحه في 14من تموز  61مع ثلة من رجالات العهد الملكي لا بل كلهم.

ثانياً- ص 89- ذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي: ثم جاؤا بالضابط القدير اللواء الركن عمر علي بكر البيرقدار الذي أودع غرفة انفرادية وحكم عليه بالإعدام. “.

قلت: لم يقدم آخر قائد للفرقة الأولى، أمير اللواء الركن عمر علي، بطل حرب تحرير فلسطين في سنة  1948للمحكمة العسكرية، ولم يحكم بالإعدام، لكنه مثل خالد بن الوليد، مات حتف أنفه في حادث انقلاب سيارة عند مدينة الرطبة، وكانت معه كريمته الطالبة في الصف السادس بالكلية الطبية، في الأول من شهر أيلول 1974.

ثالثاً-ص 98- ذكر المعلق، أي الدكتور طارق مجيد تقي العقيلي، الذي تولى تحرير المذكرات هذه، وقدم لها، وعلق عليها، ذكر ما يأتي: وعن شيوعية طالب شبيب، أكد لـ(المعلق) العضو السابق في الحزب الشيوعي الأستاذ ماجد علاوي، بأن بهاء شبيب ذكر له أن شقيقه كان شيوعيا عندما كان طالبا في كلية الملك فيصل، فقد ضمت الكلية طلابا شيوعيين (..) منهم، أبو سعيد عبد الجبار (وهبي)، وعامر عبد الله، وزاهد محمد باقر، وإبراهيم علاوي. مقابلة شخصية معه بتاريخ 20 أيلول  2019في منزل الدكتور محسن الشيخ راضي.

قلت: إن اسم هذا الشاعر الشعبي، الذي كان يقدم سنة 1959برامج فلاحية ريفية من إذاعة بغداد، برفقة شمران الياسري (أبو كاطع) الذي تميز بحكاياته المحببة (حجاية أبو كاطع) حِجْها يابو كاطع! اسمه الصحيح؛ زاهد محمد (زهدي) وقد توفي بلندن سنة  2001بعد أن عصف به المرض الوبيل، وأصدرت جريدة (المدى) ملحقا خاصا به، في ضمن ملاحقها التي تصدر كل خميس (عراقيون من زمن التوهج).

رابعاً- تحدث الأستاذ محسن الشيخ راضي في الصفحات (115-123) عن نشاطات حزب البعث سنة 1960ذاكرا على الصفحتين 118و119 ما يأتي: جرى في المؤتمر انتخاب قيادة قطرية جديدة (..) من أبرز القضايا التي برهنت على قوة البعث في الشارع، كانت خلال زيارة الرئيس أحمد بن بلا، فقد سيطر الحزب على عملية الاستقبال، وقاد بعد استقبال الضيف، تظاهرة كبيرة جابت شوارع الكرخ..”.

قلت: كان المناضل أحمد بن بلا في ذلك الوقت يقبع في السجن الفرنسي، إثر عملية القرصنة الجوية التي نفذتها السلطات الفرنسية، واختطفت الطائرة المغربية التي تقل عدداً من قادة الثورة الجزائرية من الرباط نحو تونس العاصمة، خريف سنة 1956، وتزامنت مع العدوان الإسرائيلي الفرنسي البريطاني ضد مصر انتقاما لتأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس وهم: محمد خيضر؛ ورابح بيطاط؛ ومحمد بوضياف؛ وحسين آية أحمد، والصحفي مصطفى الأشرف ، وأطلق سراحه في آذار 1962، إثر انطلاق مباحثات إيفيان بين جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وبين الحكومة الفرنسية.

خامساً-ص 124-وتحت عنوان رئيس هو (إضراب سواق السيارات) يذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي لمحرر كتابه: كان اختيارنا الأول باستعراض قوتنا مع النظام، وتحديه لإثبات مدى فاعلية الحزب وقدرته على تأليب الشارع ضده هو ما وفرته لنا أحداث إضراب سواق سيارات الأجرة في  28آذار 1961(..) هو احتجاج على الزيادة الكبيرة التي طرأت على أسعار البنزين (..) كان من ضمنها رفع أسعار لتر البانزين من 4 فلس إلى 10 فلسا”.

قلت: هكذا ورد النص ولم أصوبه نحويا!

الأمر الثاني إن العراق وقتذاك كان يعمل بالنظام الإنكليزي في المكاييل والموازين، مثل، الكيلو متر والمتر والكيلو كرام، والكالون وهو (الكلن) بالعامية العراقية، ويعادل 450,4 لترات، وقد تحول العراق سنة 1974إلى النظام الفرنسي (اللتر) وما زال هذا المكيال مستخدما حتى الآن.

كان سعر الكالون في سنة 1961وما سبقها مئة فلس، زيدت إلى مئة وعشرين فلسا، فحصل الإضراب الذي امتد إلى بعض المدارس، مستغلين سفر رئيس الوزراء اللواء الركن عبد الكريم قاسم إلى البصرة لوضع الحجر الأساس لبعض المشاريع التنموية، ومنها ميناء أم قصر، لكنه عاد سراعا إلى بغداد بعد أن لمس اضطراب الحال فيها.

وفي هامش الصفحة عينها يذكر الدكتور العقيلي ما نصه: تزامن هذا مع الإعلان في اليوم نفسه (أي 28من آذار 1961) عن انفصال سوريا عن العربية المتحدة، ينظر: بريطانيا ولعبة السلطة في العراق. ص70-71.قلت: إن الانفصال، فصم عرى الوحدة المصرية- السورية وقيام الجمهورية العربية المتحدة في شباط 1958، وتنازل الرئيس السوري شكري القوتلي (توفي 1967) وحمله شرف (المواطن العربي الأول)، حصل الانفصال في  28من أيلول 1961، وليس في 28آذار 1961!

سادسا-ص126-127- ذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي لدى حديثه عن الإضراب آنف الذكر ما يأتي: كان الإضراب حركة ميدانية (..) لقد بذل النظام جهده لكسر شوكة الإضراب ليخفف من وطأة أزمة النقل، فحاول نقل المواطنين بباصات (سيارات) مصلحة نقل الركاب العامة (الأمانة)، لكن الرفاق في مصلحة نقل الركاب بناء على توجيهات القيادة القطرية، استطاعوا تعطيل كافة محركات الباصات، وإفراغ عجلاتها من الهواء”.

قلت: لقد واصلت سيارات الأمانة، نقل الناس إلى أعمالهم، لكن المضربين وأنصارهم، كانوا يرشقونها بالحجارة والطابوق والزجاجات الفارغة، فاضطرت إدارة مصلحة نقل الركاب إلى سحب سياراتها نحو مراكز الإيواء، مما زاد في تأثير الإضراب على الحياة العامة.

سابعا- ذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي تاريخا آخر لاستقبال أحمد بن بلا، هو سنة 1961، إذ يذكر في الصفحتين 134- 135مانصه: بعد اتساع نشاط الحزب التنظيمي (..) وأردنا أن نبرهن مرة أخرى بعد إضراب سائقي التاكسي في عام 1961، على قدرة الحزب في تحشيد الجماهير القومية لاستقبال الزعيم الجزائري المناضل أحمد بن بلا ( ..) ذهبت إلى السفارة الجزائرية (..) وطلبت منهم تزويدي بصورة كبيرة للمناضل أحمد بن بلا، ويبدو أن انقساما أخذ يظهر في ذلك الوقت بين قادة ثورة الجزائر، ولذلك شعرت لحظتها عدم اكتراث هؤلاء الموظفين بزيارة بن بلا، وكانت ميولهم واضحة باتجاه قائد جزائري آخر هو بن يوسف بن خدة، رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة”.قلت: إن عدم اكتراث موظفي السفارة بطلبه صورة لأحمد بن بلا، لا يعني حصول انقسام، لأن الرجل كان سجينا في فرنسة، ولأنه كان يجب أن يطلب صورة رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بن خدة الممثل الشرعي والوحيد لشعب الجزائر، وهم موظفون رسميون ينفذون توجهات الحكومة.

ثامنا-ص151- ذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي، لدى حديثه عن البيان الشهير قاسي المحتويات، الذي حمل رقم (13) الصادر عن المجلس الوطني لقيادة الثورة؛ ذكر ما يأتي:” لقد كان يوم 9 شباط يوماً عصيبا، وقريبا من القضاء على نظام قاسم نهائيا، (..)وشهد ذلك اليوم (..) كتابة البيان رقم (13) الذي يعد منعطفا خطيرا في تاريخ حزب البعث (..) كان البيان رد فعل على مقاومة الشيوعيين المسلحة(..) وأذيع البيان يوم 9 شباط 1963.

قلت: أذيع البيان ليل الجمعة؛ الثامن من شباط، ما بين التاسعة إلى العاشرة، بعد أن تواصلت المقاومة المسلحة ضد الانقلاب، وقرأته هناء العمري؛ زوجة علي صالح السعدي، التي كانت تتناوب مع المذيعين بإذاعة بيانات الحركة، وهي شقيقة حفصة العمري، التي قتلت مقتلة فظيعة في التاسع من آذار 1959، بعد فشل حركة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف؛ آمر جحفل لواء المشاة الخامس، ضد السلطة المركزية ببغداد. ومازلت استحضر في ذاكرتي بعضا من مفردات ذلك البيان الصاعق: بالنظر لقيام الشيوعيين العملاء شركاء قاسم في جرائمه…..

تاسعا- ص203- ورد اسم (مدحت جمعة إبراهيم) وصحته، مدحت إبراهيم جمعة، وهو أحد المشاركين في محاولة اغتيال قاسم في السابع من تشرين الأول 1959، وسفير العراق لدى الكويت سنة 1971، حين كان في توديع حردان عبد الغفار التكريتي بمطار الكويت عائدا إلى بغداد، حيث اغتيل حردان.

عاشرا- ص320-ذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي ما يأتي: أريد أن أؤكد هنا، أن السيد الحكيم (..) كانت لديه فتوى تعود إلى عام 1959على ما أعتقد، حرم فيها الانتماء إلى الحزب الشيوعي وليس قتلهم”.

قلت: صيف سنة 1960، أصدر المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم، فتواه بتحريم الانتماء إلى الحزب الشيوعي، وإن الشيوعية كفر وإلحاد، وكنا نراها ملصقة على الجدران، ولا سيما في مناطق الكرخ حيث نسكن.

حادي عشر-ص335-ذكر الأستاذ محسن الشيخ راضي لقاءه بالبعثي السوري الدكتور مصطفى دندشلي، الذي كتب أطروحة دكتوراه عن حزب البعث قدمها لجامعة السوربون وبإشراف المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون، ما يأتي:” فقد ورد نص العبارة التي قالها السعدي في متن الأطروحة ء وحسبما ذكر لي الدكتور دندشلي عندما التقيته في عام 1980 في شقته بشارع حيفا، خلال زيارة قام بها إلى بغداد، إنه خلال فترة إعداده لأطروحته المذكورة، نقل نص عبارة السعدي (جئنا بقطار أمريكي) عن صحيفة الليموند الفرنسية التي سبق أن نشرتها في أحد أعدادها”. قلت: لقد بدء بتهديم البنايات تمهيداً لشق شارع حيفا، الذي أقيم على أنقاض شارع صلاح الدين الصباغ، وبناء عمارات حيفا السكنية، بُدِء التهديم في شهر مايس 1981.إذن اللقاء حصل مع دندشلي في وقت لاحق وليس سنة 1980.

وأخيراً ورد في بداية الكتاب، ولم أعثر على رقم الصفحة، ورد ذكر الملازم الأول المنسوب إلى الانضباط العسكري؛ كنعان خليل حداد، بوصفه أحد مرافقي قاسم، والصحيح أن كنعان المسكين هذا، هو ابن أخت الزعيم عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري وقتذاك وما كان مرافقا لرئيس الوزراء، وقد ساقه حظه العاثر إلى أن يعدم مع رئيس الوزراء؛ وطه الشيخ أحمد، والمهداوي، في حين انتُشِل مرافقه المقدم قاسم محمد الجنابي في اللحظة الأخيرة!

كما يرد على الصفحة الثالثة والخمسين قول الأستاذ محسن يوم ذهب سنة 1957إلى دمشق لدراسة الطب ما نصه:” في دمشق كان هناك عدد من قادة الحزب الشيوعي العراقي، (..) وغالباً ما كنت التقي معهم، منهم عز الدين (مصطفى) رسول (..)وخلدون أمين زكي وهو من قيادات الحزب الشيوعي المعروفين”.

أقول: إنه (خلوق) وليس (خلدون) وهو نجل أمين زكي علي؛ الضابط في الجيش العثماني، ثم العراقي، وهو شقيق الطبيبتين (لمعان أمين زكي) و(سانحة أمين زكي) ومأمون، الأستاذ في الجامعات الأمريكية، وصاحب كتاب (إنجازات العراق الدبلوماسية أثناء العهد الملكي 1921-1958). ولقد تأكدت من صحة ما أقول بالرجوع إلى الصفحة أربعين من مذكرات المهندس الفنان هشام المدفعي في كتاب ذكرياته الذي أهدانيه- مشكورا- وعنوانه (نحو عراق جديد. سبعون عاماً من البناء والإعمار) الذي أصدرته مطابع الأديب في عمان سنة 2017.



Most Read

2024-09-24 15:28:01