Breaking News >> News >> Al Hoda


نهج البلاغة والحياة (3) الطمع ومهاوي الخيال


Link [2022-04-14 23:14:09]



يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: أزرى بنفسه من استشعر الطمع”.

بناء المجتمع يأتي عبر بناء الافراد، والفرد لا يُبنى إلا على أساس سليم، كما أن البناية قد تنهار إذا لم تبنَ على أساس سليم، كذلك الفرد تنهار شخصيته إذا لم يبنَ على اساس سليم.

الصفات الجيدة في الانسان اساس شخصيته، والصفات السيئة فيه هي اساس انهيار الشخصية، فمن الصفات السيئة في اي فرد الطمع، فما هو؟

وما هي النتائج التي إذا كان الشخص طماعا؟

الطمع أحد أمرين:

الأول: إما ان يريد الإنسان شيئا لا يستحقه.

الثاني: أو أنه يريد شيئا من دون ان يهيء المقدمات اللازمة له.

الذي يملك المال او الحكم ويكون طماعا، فإن هذا يؤدي الى انهيار المجتمع، لان الطماع إذا امتلك المال استحكم واستأثر، فالمجتمعات قد تنهار اقتصاديا لوجود طماعين في السوق او الحكم.

القنوع ينطلق من الواقع وبما تحت يديه ليكسب المزيد

وإذا لم يكن الطماع مالكا لشيء فإن يحاول ان يسرق جهد الآخرين الذي حصلوا عليه بعد تعب وبسلك الطريق الصحيح، لكن الطماع يريد الحصول على ذلك بلا مقدمات وبلا تعب.

الطمع جيد إذا كان في غفران الله، يقول ـ تعالى ـ: {ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً}، ويقول في آية أخرى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}، نحن ـ يجب ـ ان نطمع في غفران الله، لانه في يوم من الايام لن نستحق ذلك الغفران، فالجنة لا تنال باستحقاق، بل يعطيها الله بالعمل، ولكن هل نستحق الجنة بشكل يسمح بأن نطالب االله به؟ بالطبع، لا. لان لا عمل ولا جهد للإنسان يساوي جنة عرضها السماوات والارض.

لكن الطمع في مال الآخر الذي صرف جهدا كبيرا حتى حصل عليه، هذا الطمع سيؤدي بالفرد الى السرقة، او الى الكسل، فالطماع اشبه بالسارق، لانه بالاساس طماعا، لانه يرغب في الحصول على اموال الاخرين الذي تعبوا عليه لمدة شهر، يريد ان يحصل عليه خلال ساعة!.

أما إذا كان هناك طمع بلا فعل فهذا نوع من الاستجداء، فالطماع يريد مما في ايدي الآخرين، والاستجداء في الحياة حرام، لأن النفسية المستجدية غير فاعلة في المجتمع، فالذي يريد أن يعطيه الآخرون، وهو لا يعطي شيئا، فهذا كَلٌّ على الناس، والاسلام يضرب مثالا بالعبد السيء بالشخص الكَلْ.

فهذا الانسان اشبه بالطفيلات فهي لا تقوم على ساقها، بل تبحث عن شجرة باسقة، او جذع، او جدار تتسلق عليه، والمؤمن عكس ذلك، فهو الجدار الذي يستلق عليه الآخرين، ويجب ان تكون يده عليا، يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “إِذا خَالطتَ النَّاسَ فَإنِ استطعتَ ألاَّ تُخالطَ أحداً مِنهُم إِلاَّ كَانت يَدَك العُليَا عليه فافعل”. ليكون المؤمن هو المطعي، “واجر للناس على يدي الخير”، فأن يأتي الخير على يد المؤمن خير من أن يكون مثل ذلك الطماع.

اشعب بن جبير مولى عبد الله بن الزبير كان كثير الطمع حتى قيل : أن فلان اطمع من اشعب”، قيل له ذات مرة: ما بلغ بك الطمع؟

فقال جبير: اذا سرت في جنازة فتسارا شخصان (اي يتكلمان معا) إلا وظننت أن الميت قد أوصى لي شيئا.

وقال: ما رأيت عرسا في المدينة إلا ونظفتُ بيتي وظننت أنهم سيزفونها إليَّ.

ومثل اشعث يوجد الكثير من الناس، فهو ينتظر الطائر في السماء ليبيض بيضة تكون مسلوقة وتسقط في فمه.

فالبعض يريد الدنيا ان تكون جنة مليئة بالرغبات والاماني، ويريد أن يصل الى النجاح بأحلام اليقضية، مع ان الله ـ تعالى ـ خلق الحياة والانسان في تعب وكبد، ولابد من بذل الجهد والعمل، فالإنسان لا يحصل إلا على عمله، أما من يريد الوصول الى جهد الآخرين فهو سارق (طامع).

الطمع وسيلة الى الفشل

لأن الحياة قائمة على الحق وليست قائمة على الطمع، فلله في هذه الارض قواعد، وأصول، وسُنن، فمن سلك سُنّة الله وصل الى ما أراد، ومن لم يسلك لن يصل.

وفي قبال الطمع تكون القناعة فهي “كنز لا يفنى”، والقناعة من وسائل النجاح في هذه الحياة، بعكس الطمع الذي هو وسيلة من وسائل الفشل، ـ فمثلا ـ الانسان الذي أُعطيت له مهمة معنية لكنه يطمع في الزيادة، فإنه لن يؤدي مهمة بالشكل المطلوب، فمن لم يستطع القيام بمهمة صغيرة، كيف له ان يطمع بمهمة أكبر؟ وفي مسؤولية أخطر؟ ولكن القنوع ينطلق من الواقع وبما تحت يديه ليكسب المزيد.

إذا لم يكن الطماع مالكا لشيء فإن يحاول ان يسرق جهد الآخرين الذي حصلوا عليه بعد تعب وبسلك الطريق الصحيح، لكن الطماع يريد الحصول على ذلك بلا مقدمات وبلا تعب

فمن عوامل النجاح القناعة، لا بمعنى ان القنوع لا طموح له، لكنه ينطلق في طموحه من واقعه، بينما الطماع لا ينطلق من الواقع، فهو ينطلق من الخيال الذي لا يمشي في هذه الحياة لانه اعرج فيها.

أن يكون لك طموح في ان تصل الى القمة فهذا مطلوب لان “علو الهمة من الايمان”، ولكن أن لا تسلك الطريق الصحيح، وان لا تملك الوسيلة الصحيحة، فهذا يعني ان تعيش شقاء روحيا مع نفسك، ولن تصل الى الهدف الذي تصبو إليه.

 يقول الإمام الصادق، عليه السلام:  “بئس العبد عبد له طمع يقوده وبئس العبد عبد له رغبة تذله”.

وقال  الإمام علي بن الحسين، عليهما السلام: “رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس”.

 ذلك أن الانسان حينما يقطع الطمع عما في ايديهم سيعتمد على جهده، فحين ترغب مجموعة بالنصر على عدوها، لكنها تطمع في النصر بأن يقدم الآخرون النصر لها على طبق من سكّر، بهذا التفكير لن تصل الى النصر في يوم من الايام، والوصول الى النصر إنما يكون إذا اعتمدوا على جهدهم، وقطعوا الطمع عما في أيدي الآخرين.

إن الناجح هو الذي يطور نفسه ويكون في سباق مع الحياة، فمن يجعل الطمع شعاره فإنه يزري بنفسه؛ اي حقرها، وأهانها، ولذا فإن القناعة مع علو الهمة هما اللذان يقودان الانسان الى قمة النجاح، لان الانسان في هذه الحالة ينطلق من واقع حياته وليس من وحي الخيال.

إعداد هيأة التحرير

ظهرت المقالة نهج البلاغة والحياة (3) الطمع ومهاوي الخيال أولاً على دار الهدى للثقافة والإعلام.



Most Read

2024-09-19 20:31:47