Breaking News >> News >> Al Hoda


الإِمَامُ الحَسَنُ، عليه السلام، السِّبطُ الكَرِيم وَالسِّيَاسِي الحَكِيم


Link [2022-04-16 23:13:44]



ولد الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، في 15 شهر رمضان 2 – 3هـ في المدينة المنورة

مقدمة ولائية

إن الله ـ سبحانه ـ فرض على الإنسان فرائض كثيرة ولكن جعل لها باباً تدخل منه، وللباب مفتاحاً وهذا أمر طبيعي، ومعروف، وذلك لأن الإنسان مخلوق لهدف سامي في هذه الحياة ألا وهو خلافة الله في عمارة هذه الأرض، وعدم الفساد فيها كما تؤكد آيات القرآن الحكيم وسوره المباركة التي هي ذات صبغة اجتماعية مؤكدة لتربية الإنسان تربية صالحة كما أراد الله وأمر.

والهدف من وجود الإنسان هو التكليف وجوهره العبادة للحق تعالى، الذي قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. (الفرقان: 56)، وتكليف الله ـ سبحانه وتعالى ـ للإنسان هو تشريف له وليس تحميله ما لا يُطيق، بل تحميله المسؤولية والأمانة في عمارة الأرض بالصالحات وهذا بناء عظيم جداً يشمل الحياة كلها وبابه الولاية لأصحابها من أهل الولاية الذين اجتباهم الله ـ سبحانه ـ على علم، وبيَّنهم رسوله الكريم، صلى الله عليه وآله، ونصَّبهم على الخلق أولياء وقادة وسادة بأمر من الله تعالى وهم أهل البيت الأطهار، عليهم السلام، ومفتاح باب الولاية والرحمة هذا هو الطاعة والانقياد والمحبة والمودة لأهل البيت الأطهار، عليهم السلام.

الإمام الحسن السبط الكريم عليه السلام

 في دوحة الطهر والولاية لأولياء الله كان هذا الإمام العظيم الطاهر هو أول أغصانها التي رأت النور في هذه الحياة في بيت النور وعائلة الفضيلة الذي يجمع علي أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين تحت رعاية الرسول الأعظم سيد الخلق أجمعين، فكانت الفرحة به غامرة، ولا سيما لجده الذي بلغ من العمر والرسالة المكانة العالية وراح يبني أمته ودولتها لبِنة لبِنة وينظر إلى الأفق البعيد في ذريته المباركة التي جعلها الله سبحانه وتعالى ليس من صلبه بل من صلب وصيه وأخيه وختنه على وحيدته سيدة النساء فاطمة الزهراء، عليها السلام، فما أشوقه ليرى تلك الأنوار تبزغ عند الفجر في ليلة النصف من شهر الله المعظم، شهر رمضان وهو يجهِّز نفسه وأصحابه لأول معركة حضارية سيكون لها وقع في بناء الدولة المنتظرة، فخرج إليها حامداً شاكراً ليرجع إلى المدينة بالنصر المؤزَّر على طغاة وجبابرة قريش ليجد أول ثماره قد ولد لابنته الغالية وابن عمِّه وشريكه في الرسالة أمير المؤمنين، صلوات الله عليهم، مولوداً طيباً مباركاً، كفلقة القمر حين تمامه، فأخذه بحبه وحنانه وسمَّاه كما أمره الله ـ سبحانه ـ الحسن ولقبَّه بأبي محمد ووصفه بالمجتبى، عليه السلام.

في دوحة الطهر والولاية لأولياء الله كان هذا الإمام العظيم الطاهر هو أول أغصانها التي رأت النور في هذه الحياة في بيت النور وعائلة الفضيلة الذي يجمع علي أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين تحت رعاية الرسول الأعظم

فالإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، ولد في بيت كريم، وحضن أكرم الخلق على الخالق ولذا عُرف فيما بعد بكريم أهل البيت، عليه السلام،، لأنه ما ظهر منه من العطاء والبذل في سبيل الله ما لم يظهر من أحد من العالمين فيحق له وهو من شجرة الكرم والجود والعطاء بلا حدود كما وصفهم الإمام علي الهادي، عليه السلام، في الزيارة الجامعة بقوله: “اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ أَوَّلَهُ، وَأَصْلَهُ، وَفَرْعَهُ، وَمَعْدِنَهُ، وَمَأواهُ، وَمُنْتَهاهُ“، فهم أصل الخير وبيوتهم منبع الخيرات والبركات في هذه الحياة.

الإمام الحسن، عليه السلام، السياسي الحكيم

لا يسع الباحث، عدا عن الموالي أن يمرَّ على حياة الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، دون أن يتوقَّف طويلاً عند ذلك المنعطف الكبير، والحدث الخطير الذي قاده بحنكة وسياسة ربانية وولائية عجيبة الإمام الحسن، عليه السلام، في زمنه حيث كان يُعارضه، ويُعانده، ويُحاربه، طاغية قريش الضَّالة، ورأس النفاق وابن كهف المنافقين كسرى العرب كما كان يُسميه خليفة قريش الثاني، وهرقلهم، الذي حمله على رقاب الناس في الشام لعقدين من الزمان فوطَّد حكمه بالدَّهاء، والمال الغزير وبالعلاقات المشبوهة مع أجداده الروم، لأن جده أمية كان عبداً رومياً آبقاً جاش به البحر فوصل إلى قريش وتبنَّاه على غفلة من الزمن عبد شمس فالتصق بقريش وبهذا البيت الكريم ليكون لهم عدواً لدوداً إلى أبد الآبدين.

وتسنَّم الإمام الحسن السبط، عليه السلام، كرسي الحكم والخلافة بعد استشهاد والده العظيم أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، في محراب مسجد الكوفة في ليالي القدر من شهر رمضان سنة 40 هـ وبايعته الأمة منقادة إلى السبط الكريم، والشخص الحكيم الذي نصبه جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، ولكن عدوَّه اللدود ابن هند كان متربصاً بكل قوته وجيشه وقدرته ودهاءه وجرأته على انتهاك الحرمات، ومخالفة رب البريَّات، فليس شيء يمنعه من ارتكاب أي جريمة مهما قبحت لأنه ما دخل الإيمان قلبه لحظة قط، بل كان عاشقاً للحكم وطامحاً شرهاً للخلافة حباً بالحكم والخلافة كما علَّمه والده كهف المنافقين حيث لا يعرف ما الجنة ولا النار وإنما هو الملك، وفي سبيله يمكن أن يفعل أي شيء فهو صاحب النظرية الميكافلية المعروفة (الغاية تبرر الوسليلة) فهو الذي وضعها وبلورها في سياسة الشعرة المعروفة له، وجاء ميكيافلي بعد قرون ووجد فيها الأوربيون فتحاً قبيحاً للحكم والسيطرة على الناس والتحكم بمقدراتهم.

حكمة الإمام الحسن، عليه السلام، في سياسته

والإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، كان كوالده الحكيم تماماً فهو يقيِّده الشَّرع الحنيف، ويوقفه على الحدود التي بيَّنها الله ـ سبحانه وتعالى ـ في كتابه وشريعته فلا يمكن أن يتجاوزها ولو بسلب جلب شعيرة، أو ورقة في فم جرادة تقضمها، فهدفه وغايته أن يقيم حقاً أو يدفع باطلاً كما علَّمه وبيَّن له والده قولاً وعملاً في سيرته ومسيرته المباركة.

فكان يقول، عليه السلام،: “وَاَللَّهِ مَا؟ مُعَاوِيَةُ؟ بِأَدْهَى مِنِّي وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ وَلَوْ لاَ كَرَاهِيَةُ اَلْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى اَلنَّاسِ وَلَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وَكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَاَللَّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ“. (نهج البلاغة: خ198).

هنا جوهر المسألة السياسة تكمن بطاعتك لربك فيمَنْ ولاك عليهم لتسوسهم وتربيهم وتعلمهم وتقيم اعوجاجهم، وليست كما يفهما أهل السياسة من الخساسة والدناءة وأكل أموال الناس بالباطل وسرقة مقدرات الأمة ونهبها لتوضع في بنوك الأعداء ليتقووا علينا بأموالنا ويُصادروها فيما بعد كما نرى ونسمع في كل يوم عن أهل السياسة في هذا العصر الأغبر.

الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، كان كوالده الحكيم تماماً فهو يقيِّده الشَّرع الحنيف، ويوقفه على الحدود التي بيَّنها الله ـ سبحانه وتعالى ـ في كتابه وشريعته فلا يمكن أن يتجاوزها ولو بسلب جلب شعيرة

فسياسة الإمام الحسن، عليه السلام، كانت بحكمته وحنكته في قيادة الأمة لخلاصها، وليس للخلاص منها، وقيادة معاوية إلى حفرته التي حفرها لأجل الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام،، فكانت سياسته حقاً كلها وإن خفيت على أصحابه حكمتها، وعن الأمة مبرراتها، لأنه كان أعلم منهم جميعاً بتكليفه كإمام مفترض الطاعة، وولياً منصَّباً من أبيه وجده بأمر من الله ـ سبحانه ـ، وبما يُصلحهم في دنياهم وآخرتهم لعلمه بسياسة معاوية وجرأته على انتهاك الحدود والحرمات تحت غطاء رقيق باسم الدِّين ألبسه إياه حكام قريش السابقين له، فكان يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر، ويعمل بخفاء لدفن الدِّين الإسلامي، وإعادة الأمة إلى جاهليتها من جديد وإن تسمَّت بالإسلام، فصار الإسلام اسماً بلا معنى، لأنه صار الخليفة والحاكم هو عدوه الأول الذي يسعى كل جهده لدفنه عن وجه الأرض.

ولكن ذلك كله خفي على الناس لما يرون من صلاته وصيامه وتكلمه باسم الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأنه خال المسلمين، وكاتب الوحي، والحاكم الذي زكاه اثنين من الخلفاء الراشدين القرشيين كما يسمونهم فهو جدير بالخلافة والحكم، ولكن الأمة لم تسمع قول رسول الله، صلى الله عليه وآله، فيه وأمره بقتله، وضرب عنقه، وبقر كرشه الواسع، وأن الخلافة محرَّمة على آل أبي سفيان كما يروي الإمام الحسين، عليه السلام، وأنه سمعه من جده رسول الله، صلى الله عليه وآله.

فما الحيلة في هذا الرجل الواسع الحيلة، وكبير الدَّهاء الذي تسلَّط على مصر من أغنى وأكبر الأمصار ألا وهو بلاد الشام كلها وراح يسعى ليله ونهاره للوصول إلى الحكم والخلافة، والإمام الحسن، عليه السلام، خانه ابن عمه، وجيشه، وأكثر رؤساء العشائر عنده، وحاولوا اغتياله مرتين ونهبوا مصلاه، وحتى خلاخيل عياله، وفي كل يوم كان يسمع عن اختراق جديد وخيانة محدَثة في العراق، وآخرها كان يُحضِّر إليها عرف النار والد زوجته الأشعث بن قيس ومَنْ حوله لأسر الإمام الحسن، عليه السلام، وتسليمه إلى معاوية ليرى فيه رأيه، فإما يضرب عنقه صبراً والعياذ بالله، أو يمنُّ عليه ويقول له كما قال جده لمعاوية أبيه وقريش كلها: اذهب فأنت طليق، فيكون طليقاً لبني أمية وتلك هي الكارثة العظمى حقاً.

فكانت حكمة وحنكة الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، بالموافقة على الصلح الذي عرضه عليه معاوية وأرسل له صفحة بيضاء موقَّعة ومختومة ليضع كل شروطه وما يريده من بنود فكتبها الإمام الحسن، عليه السلام، وكانت لو فقهتها الأمة اعترافاً بعدم شرعية الحكم الأموي، وأن الخلافة والحكم حقاً شرعياً لأهل البيت، عليه السلام، للإمام الحسن ثم لأخيه الإمام الحسين، عليه السلام،، لأنه كتب ذلك في المعاهدة، كما أنه شرط عليه أن لا يتسمَّى بأمارة المؤمنين.

فبذلك كشف الإمام الحسن، عليه السلام، بحكمة بالغة زيف الإدعاء الأموي، وأبطل خطة معاوية في دفن الإسلام الأصيل وخلق إسلاماً أموياً بديلاً عنه في الأمة فانتصرت الحكمة الحسنية على الدَّهاء الأموي، فدفن الإمام الحسن، عليه السلام، مشروع الإسلام الأموي وأنعش الدِّين الإسلامي الحق، لا سيما بعد نهضة أخاه الإمام السبط الأصغر سيد الشهداء الإمام الحسين، عليه السلام، الذي كشف المخطط الأموي كاملاً ولكن مَنْ يفقه، ويفهم الحكمة من هذه الأمة التي أُشربت حب العجل القرشي، ثم الأموي؟

ظهرت المقالة الإِمَامُ الحَسَنُ، عليه السلام، السِّبطُ الكَرِيم وَالسِّيَاسِي الحَكِيم أولاً على دار الهدى للثقافة والإعلام.



Most Read

2024-09-19 20:30:59